كتب ميشال ن. أبو نجم لـ ” أخباركم – أخبارنا”
حركة على كل المستويات، الدبلوماسية، والسياسية الداخلية، وصولاً إلى دعم النازحين بالإمكانيات المتوفرة. خلاصة تختصر عمل التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل خلال الحرب، وسعياً لحماية لبنان. و”لبننة” المصالح والأهداف في محاولة حصر تداعيات الحرب وإيقافها، هي ما تهمّ “التيار”، بعدما استفادت القوى الإقليمية كثيراً من “الساحة” اللبنانية، من دون أن تكون على قدر التضحيات والخسائر التي مُني بها لبنان، وخاصةً منذ بدء الحرب، وتحديداً فيما واجهه حزب الله من اعتداءات إسرائيلية غير مسبوقة، وصولاً إلى اغتيال قياداته ورمزه الأكبر، السيد حسن نصرالله.
أساساً، أظهر “التيار” التمسك برؤيته للمصلحة اللبنانية الذاتية، منذ الأيام الأولى لحرب “7 تشرين” وانخراط حزب الله في “حرب الإسناد”. الوعي الكبير لمخاطر السلوك الإسرائيلي التوسعي المبنيّ على ذرائع دينية، لم يُنسِ “التيار” تنبيه حزب الله من مخاطر الإنزلاق إلى المشاركة في “تحرير فلسطين”، في الوقت الذي تنكفئ عن ذلك سوريا، وفيما إيران تراقب وتدير حركة قوى المحور وفق مصالحها، وتوقيت حواراتها مع واشنطن.
أما الرئيس المؤسس ميشال عون، فكان بِفكره العسكري، أكثر وضوحاً مع حزب الله وقيادته، ولا تزال مقابلته مع صحيفة “الأخبار” في آذار الماضي، وتحذيراته و”خوفه” على “الحزب”، خيرَ شاهدٍ أعاد العونيون استخدامه للتذكير باستشراف قائدهم التاريخي.
أما وقد “وقعت الواقعة”، وخسرَ لبنان الكثير من قدرة الردع على ما أكَّد جبران باسيل في مقابلته قبل أيام مع France 24، فإن المطلوب هو العمل والتحرك. أطلق باسيل دينامية مع سفراء الدول الكبرى، عارضاً مطالب أساسية، هي العمل لوقف فوري لإطلاق النار، الحض على إنجاز الإنتخابات الرئاسية، تقديم المساعدات للنازحين خاصة وأن إطالة الحرب من شأنها طرح أسئلة اجتماعية كبرى، من بينها احتمالات افتعال إشكالات متنقلة كما يرغب ويشتهي الإسرائيليون. هذه الحركة على المسار الدبلوماسي والتي سبقها قبل أشهر توجيه “التيار” رسالة إلى سفراء الدول الكبرى في مجلس الأمن، ستتواصل في الأيام المقبلة، بمراقبة لصيقة من باسيل.
والحرب، ليست بالنسبة للتيار ذريعةً لتجاهل انتخابات رئاسة الجمهورية. إن كان يرفض ويعارض بشراسة استخدام مفاعيل الحرب الإسرائيلية لمحاولة فرض معادلات على حزب الله وتكرار رهانات مجنونة ذكّر بها على LBC، فإن ذلك لا يلغي أن الرئاسة هي أحد أهم الركائز لحماية لبنان. فالمفاوضات التي ستحدث عاجلاً أم آجلاً لوقف الحرب، والتعاطي مع النتائج الخطيرة المحتملة، لا يمكن أن تُواجَه بالفراغ الرئاسي، ولا باستمرار السلطة من دون الشراكة الوطنية الفعلية. وكانت تصريحات القيادات الإسلامية في لقاء عين التينة، على الرغم من كل ما حمله من استفزاز لجهة عدم مشاركة المكون المسيحي، تلاقي “التيار” وقوى أخرى في هدف إنهاء الشغور.
على أنَّ الأهم في حركة “التيار”، هو اعتماده آليات عملية، وليس فقط بإطلاق التصريحات. فالعمل حثيث راهناً في اتصالات مكوكية مع كل القوى السياسية من دون استثناء، سعياً لطرح الأسماء المرشحة المقبولة منها والمرفوضة على السواء، ما يصنع في النهاية هذه المساحة المشتركة من “المرشحين”. عندها، يتكوّن لدى الكتل النيابية الماثلة أمام تعهّداتها، مساحة مشتركة يُبنى عليها لمخرج واضح وعملي للفراغ الذي بات ينافس الحرب الإسرائيلية في تهديمِه أسسَ الدولة. وباتَ في جعبة “التيار” “زادٌ” من التجارب الحوارية مع الكتل النيابية، كان بدأ يتشكل مع الجولات عشية انتهاء ولاية الرئيس عون في العام 2022، ما يعزز من إمكانات التوافق.
وهذه الهموم السياسية، لا تُنسي “التيار” دعم النازحين وإغاثتهم، وفق الإمكانيات المتوفرة، والمحدودة أصلاً. فقبل أن تنشب الحرب، كانت أجهزة “التيار” قد استعدت وفق آلية تحرك نفذتها فور بدء عملية النزوح. وتحولت هيئات الأقضية في المناطق واللجان المركزية خاصة تلك الإنسانية والطبية، إلى خلية نحل تقدم المساعدات الغذائية والدوائية وكل ما يلزم، للأهالي في مراكز الإيواء، من الشمال إلى بيروت والشوف فالبقاع.
غير أن عين “التيار” وقيادته، تبقى على الآتي من الأيام. هناك قلق من أن تطول الحرب الإسرائيلية، من دون أن يكون هناك استعداد لبناني كافٍ للمواكبة. التغيّرات الإجتماعية مع ما يحمله فصل الشتاء من مخاطر وقساوة، هي أحدى أبرز التحديات الماثلة. وتبقى مخاطر عودة “العصر الإسرائيلي”، في ظل كل الكلام الصادر من العدو في الجنوب، والذي يعكس الصورة الواضحة للفكر التوسعي والسيطرة على الجغرافيا، إحدى أكثر الصور قساوةً، لتيارٍ بالغ التحسس من كل ما يمس السيادة اللبنانية والوجود الوطنيّ…