كتب حنا صالح في صبيحة اليوم الـ 1831 على بدء ثورة الكرامة
مات مقاتلاً شجاعاً ويده على الزناد. أسقط كل ما قيل عنه أنه يحيط نفسه بسور من الأسرى، ويتنقل في الأنفاق ولا يرى الشمس وأنه غادر غزة متنكراً بزي النساء. أمر سيمنع النتن ياهو من الإحتفال بتحقيق إنجاز أمني، ويضعه أمام مساءلة إسرائيلية من نوع أن السنوار لم يكن محاطاً بالأسرى فأين الأسرى؟
لم أتعاطف مع زعيم حماس يحي السنوار في أي يوم، كما لم أتعاطف مطلقاً مع حماس ومنطلقاتها، التي دمرت مكاسب الشعب الفلسطيني. فكان “طوفان” السابع من تشرين الأول 2023 بداية أخطر نكبة تواجه الشعب الفلسطيني، يفوقه من حيث ضخامة الفاجعة حرب “المشاغلة” التي وضعت لبنان واللبنانيين أمام أخطر تحدٍ وجودي.
مات السنوار وهو يواجه العدو من نقطة صفر، رمى “الدرون” بالعصا بعد إصابته البليغة، لكنه كما قيل عنه بحق، كان مثله مثل كل من راهن على المرشد مات مخدوعاً. وما سيزيد من حجم المأساة أن المرشد سيطل اليوم أو في الغد أو بعده متكئاً على بندقية يوجه النصح باستمرار المقاومة في غزة وفي لبنان، ورسله يلفون مشارق الدنيا ومغاربها، “دعاة سلام”، يستعيدون المليارات المجمدة في قطر، في عز أخطر إبادة يواجهها الشعب الفلسطيني، وأخطر مخطط قتل وإقتلاع قسري وعقاب جماعي ينزله العدو بلبنان.
7 تشرين الأول و8 تشرين الأول 2023، بداية لأهوالٍ أكبر مما كان يمكن للعقل أن يتخيل. لقد وصلنا إلى قعر بات معه “العالم يرى في قتلنا خلاصاً له” كما كتب بلال خبيز! ويغض الطرف عن كل جرائم اليمين الصهيوني المتطرف الذي يحرث قرانا ومدننا كما فعل بغزة ويوجه رسالة الى كل المنطقة بأنه بات في موقع القدرة على إملاء الشروط على بلداننا وشعوبنا.. وفي موقع القدرة على فرض تغيير جيوسياسي نوعي لا أحد يعلم مداه.
ومع كل هذا الإنفلات لمجرم الحرب الصهيوني نتنياهو في تدمير لبنان، تحت عنوان التوافق مع أميركا والغرب، على تدمير الأذرع التي أقامها نظام الملالي حماية لجمهورية الخامنئي، فإن شعبنا متروك لمصيره أمام هول الكارثة. وهي كارثة تتعاظم مع نهج اللامبالاة وإنعدام المسؤولية السياسية والأخلاقية من بقايا سلطة وطبقة سياسية يتبادلان في هذه اللحظة الفيتوات بشأن حصص كل فريقٍ في طول الرئيس ووزنه(..)، فيمنعون أي خطوة ل”إعادة تكوين السلطة”، وقيام حكومة إنقاذٍ وطني قادرة على قيادة مرحلة وقف النار والدفاع عن البلد وإخراج العدو من أرضنا وفرض أولوية العودة للنازحين على ما عداها، كما ووضع البلد على سكة الإصلاح وهو المرتجى للكسر مع كل الإنهيارات التي تضرب لبنان. إنهم يتغافلون عمداً عن “ناس نايمة بالطرقات والساحات والشتاء على الأبواب وآاااخ يا بلدنا”!
وبعد، في بداية سنة جديدة على إنطلاق ثورة 17 تشرين 2019، جاءت الأحداث لتؤكد المؤكد. لقد رسمت الثورة التي جمعت اللبنانيين أهم فرصة لإستعادة لبنان، الدور والمكانة والتألق. خلال أيام أنجزت الثورة أعمق مصالحة شعبية، عندما كسر الناس كل الحواجز الطائفية والكانتونات، وإلتقى لأول مرة الجار مع جاره، وصوبت على طريق الخلاص . تلك الفرصة طعنها حزب الله، لكنه عجز عن تحطيم المثال الذي قدمته، فصفقت له كل زمر نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، الذين أخرجتهم الثورة من الفضاء العام، وهم جميعاً ، “كلن يعني كلن”، تشاركوا وحزب الله ،الأدوار في شطب الدستور وممارسة حكم البلد بالبدع، فكان تطييف القضاء وتفريغ السلطة والمؤسسات العامة، ما أتاح لهم السطو على المال العام وعلى جيوب اللبنانيين وإفقارهم ودفع الكفاءات للهجرة.
وسط هذه المأساة كل المناخ التشريني أمام التحدي ولا خيار آخر له. مطالب اليوم قبل الغد ببلورة “شبكة أمان وطنية”، تمثل أرض جهات لبنان الأربع، عابرة للمناطق والطوائف، مدعوة للوقوف بحزم أمام نهج المافيا والتبعية، الذي فرط بالحقوق وفرط بالسيادة، وقدم البلد لقمة سائغة للعدو. لتشكل الرافعة الأبرز لإنطلاق مرحلة الإنقاذ وإستعادة الدولة المخطوفة والقرار والسيادة، والنضال الكبير لمنع مخططات العدو الذي يريد فرض سيطرته على أجزاء عزيزة من بلدنا، كما وبدء مسيرة الإصلاح دون إغفال أسس المحاسبة وتطبيق العدالة وحماية الحريات.
أكثرية ساحقة من اللبنانيين، هي رغم الوجع، متمسكة بالأمل، وستقاتل في تشرين آتٍ حتماً، من أجل الحفاظ على نسيج البلد الحقيقي، نسيج مشغول بعرق كل اللبنانيين.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.
مات مقاتلاً شجاعاً ويده على الزناد .. لم أتعاطف مطلقاً مع حماس ومنطلقاتها!
نشرت في