كتب ميشال ن. أبو نجم لـ ” أخباركم – أخبارنا”
هدأت قليلاً موجة الردود على دلالات ظهور رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومضمون حديثه في “العربية”. العشوائية والتهجّم من خصوم “التيار” لا يلغي حقيقة الأبعاد السياسية التي انطوى عليها الحديث، وإلى أين، وكيف، وصلَ تأثيره، وتحديداً في القوى العربية والدولية الفاعلة التي رأت فيه “عقلانية” و”مسؤولية” و”أساساً يُبنى عليه”. البلبلة على “السوشيال ميديا” التي كان سببها الأساسي “تغريدات” نشرتها القناة وركّزت على جانب واحد، تراجعت لتظهر تفهماً لدى أوساط نخبوية شيعية على سبيل المثال، لا بل حرصاً على عدم قطع ما تبقى من علاقة مع التيار الوطني الحر الذي يشارك عبر لجانه وهيئاته بدعم الأهالي النازحين. أما خصوم “التيار” في الجانب المسيحي، فيسعون عبر الدعاية وأعنف الهجمات الإعلامية إلى محاولة تطويقية لتركيز موقع “التيار” في المعادلة اللبنانية، بعدما أثبت مرة جديدة أنه نقطة تقاطع وتفاهم، بدليل اللقاءات والشخصيات المتعددة الإنتماءات التي يلتقيها باسيل، والعديد منها غير مُعلن…
ما قاله باسيل ليس فقط أنّه غير جديد. فهو الركيزة الأساسية التي تشكل نقطة قوة الحالة العونية، التي تتمحور حول الوطنية اللبنانية، بالمعنى السيادي، ولكن أيضاً في التفاهم مع أي قوة لبنانية. ومن هنا كانت سياسة “التفاهمات” و”التقاطعات” سهلة لدى “التيار” لأنّها متأصلة في تفكير مناصريه وسلوكهم، منذ التظاهرات على المعابر في العام 1990، وصولاً إلى الحوارات الطالبية في مرحلة 1990-2005، وصولاً إلى تفاهم مار مخايل والتقاطعات الرئاسية. وعندما أبدى “التيار” وباسيل الموقف الواضح من انزلاق حزب الله إلى “حرب إسناد غزة”، فإنه كان مستنداً إلى المصلحة اللبنانية الذاتية، ولا غرابة فيه.
وما قاله باسيل لجهة الإختلافات حول بناء الدولة، كان مهدّت له الكثير من المحطات وحتى الحوارات بين باسيل و”السيد حسن نصرالله، والتي لم تفضِ إلى إقناع حزب الله بأنَّ الدولة هي في النهاية السقف والملجأ.
لكنّ الأهم في سياق حديث باسيل، أنه في وقت الحرب، والتي يتطلع “التيار” إلى التحديات المواكبة لها، وإلى مستقبل ما بعدها.
فالواقع الإجتماعي الذي خلقته الحرب بترك العائلات اللبنانية في العراء والتشرد، فضلاً عن حاجات الدعم والإغاثة، ستخلق واقعاً ضاغطاً لا على “التيار” الموجود إلى جانب المهجرين فحسب، بل على دولة منهارة وحكومة لا تمتلك الموارد الكافية للمواكبة. فصل الشتاء والبرد وضرورات التدفئة على الأبواب، في الوقت الذي لا تحجب فيه مقاومة حزب الله على الحدود صراخ الأهالي النازحين، والذين يشكون قلة الدعم من جانب “الثنائي الشيعي”. هنا التحدي الكبير مع كل احتمالات الإحتكاك واستثمار البعض في التحريض والواقع السيء، لخلق فتنٍ مواكبة، أو لاحقة، للحرب.
ومن هنا، مواصلة “التيار” حركته الضاغطة لانتخاب رئيس، بغض النظر عن كل العقبات المعروفة. فإعادة إنتاج دولة بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة، هي السقف الحامي الوحيد والحاجز أمام ما يراه “التيار” من مساع لاستعادة حالات الحرب والظواهر الميليشياوية.
لذلك، يُتَوقع أنْ تتواصل الحركة التنظيمية الحزبية في اتجاه استنهاضٍ أكبر للجان المركزية وهيئات الأقضية، لتبقى في حال استباقٍ لكلِّ التطورات والإستحقاقات، بمتابعة لصيقة من باسيل نفسه. فالحرب ويومياتها والحراك السياسي المواكب، تقتضي أيضاً متابعة لاحتمالات ما بعدها حيثُ الأفق السياسي لا يزال مجهولاً ومفتوحاً على تغيرات الميدان، وعلى كل السيناريوهات الممكنة في واقع دولي وإقليمي ضبابي إلا من شهياتِ استعمال لبنان ك”ساحة”. ف”التيار” ليس غافلاً عما تُفصِح عنه الهجمات الإعلامية من فريق القوى المسيحية، ولن يكون بوارد التراجع أمامها أو الركود.
وهذه الخلاصة، معززة بحركة “التيار” السياسية وخطابه الوطني، حيث الركيزة الأساس هي مواجهة عدوان إسرائيل وتداعياته لكن ضمن مصلحة لبنان الذاتية، وليس وفقاً لساعة أي قوة إقليمية على حسابه!