كتبت عايدة الاحمدية:دخل الحزب التقدمي الاشتراكي مرحلة جديدة من النضال السياسي والحزبي، ففي المؤتمر العام للحزب ال 49 اختير رئيس اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط رئيساً جديداً للحزب، كما فاز بالتزكية ظافر ناصر بمنصب أمين السر العام، وحبوبة عون وزاهر رعد بمنصبي نائبي رئيس الحزب. وفاز كل من نشأت الحسنية، محمد بصبوص، ريما صليبا، مروى ابو فراج، لما حريز، رينا الحسنية، كامل الغصيني، حسين ادريس بعضوية مجلس القيادة.
في كلمته بعد انتخابه رئيسًا، جدد تيمور جنبلاط العهد لفكرة كمال جنبلاط الإنسانية الجامعة، ولحزبه وشهدائه ومناضليه. وتوجه إلى والده بالقول: المسيرة مستمرة، وسوف نسير وننتصر معك، ولا خوف على المستقبل. كما دعا التقدميين إلى تكريس حقيقة الحزب روحًا واحدة وردم الهوة بين الأجيال. وقال: تحت راية الحزب سنحمل معاً قيم العروبة والديموقراطية في مواجهة التحجر والعنصرية، ونرفع عالياً راية فلسطين ونحمل فكر الاشتراكية الإنسانية. واوضح تيمور ان الحزب التقدمي الاشتراكي سيبقى حزب النضال لأجل الحفاظ على لبنان العروبة والمساواة والمؤسسات والحوار الحقيقي، لا لبنان الشغور والتعطيل. واكد انه ماض في دروب العمل لإتمام الاستحقاق الرئاسي بعيداً عن جبهات الرفض، من أجل إصلاح اقتصادي وحقوق المواطن وكرامته. وشدد على ان مسيرة وليد جنبلاط التي زينّها بصوت العقل تستحق العناء.
واذ وضع تيمور في كلمته الخطوط العريضة لتوجهاته، فان وليد جنبلاط تطرق في كلمة شاملة الى تاريخ الحزب وثوابته والتحديات والازمات والاستحقاقات التي تواجه البلاد والمنطقة.
وقال جنبلاط: 46 عاماً من النضال والمواجهات، ورغم التحديّات بقيت المختارة وبقي الحزب. واضاف: هدفنا كان تحقيق النظامِ الاشتراكي الأكثر إنسانيّة. واكد ان الحوار هو السبيل الأوحد للوصول إلى التسوية وتكريس المصالحة. كما شدد على تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا من الاحتلال الإسرائيلي من دون قيدٍ أو شرط، قائلا انه أمرٌ متلازمٌ مع ترسيمِ الحدود.
ورأى ان ما يجري في فلسطين هو نهاية وهم الدولتين وإجهاضٌ للمبادرة العربيّة. وشدد على التضامن مع حق الشعوب في الحريّة والعيش الكريم. وقال: هو حق وواجب، وكيف إذا كان الشعبُ السوري في مواجهةِ الطغيان والاستبداد؟
ولفت الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي الى انه مهما كانت تقلبات الزمن وتغيّر الأحوال ومفاجآت الأقدار، المختارة كانت وستبقى وكان الحزبُ الاشتراكي وسيبقى. وتوجه الى تيمور بالقول: الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء، هكذا أوصانا المعلم كمال جنبلاط.
انتخاب تيمور جنبلاط لرئاسة الحزب كان قد جرى التحضير له لوجستياً وترشيحاً، علماً ان المعركة كانت محسومة، الا ان الاشتراكي مارس اللعبة الديموقراطية بالشكل الى ابعد الحدود، فانطلقت عملية الانتخاب في المدينة الكشفية في عين زحلتا ظهراً حيث ادلى وليد جنبلاط ونجله بصوتيهما. واستمرت العملية الانتخابية الى الساعة الثالثة بعد الظهر لتبدأ عملية فرز الاصوات.
المؤتمر العام ال49، حضره الى وليد وتيمور جنبلاط، السيدة نورا جنبلاط، السيدة جيرفيت جنبلاط، اصلان جنبلاط، داليا جنبلاط وجوي الضاهر، ونواب كتلة اللقاء الديمقراطي مع نواب جبهة النضال الحاليين أكرم شهيب، مروان حمادة، وائل أبو فاعور، هادي أبو الحسن، فيصل الصايغ، راجي السعد، بلال عبدالله، والسابقين غازي العريضي، محمد الحجار، علاء الدين ترو، أيمن شقير، أنطوان سعد، هنري حلو، الى ممثلين عن نواب سابقين في اللقاء والجبهة، والكوادر الحزبية والقيادات السابقة والحالية وممثلي القطاعات والمناطق وأعضاء المؤتمر العام.
واللافت أن نتيجة الانتخابات التي كانت اقرب الى الاستفتاء مع وجود العنصر النسائي في موقع نيابة رئاسة الحزب، مما اعتبره نائب رئيس الحزب السابق دريد ياغي بالطبيعي قائلاً: نحن لا نؤمن بالتفريق بين الحزبيين، والمجال مفتوح لكلّ الكادرات للقيام بدورهم على أكمل وجه.
إذاً، تيمور بات الرئيس الثالث للحزب التقدمي الاشتراكي، وللمناسبة نستذكر بعض المحطات الاساسية في تاريخ هذا الحزب العريق الذي تأسس في الخامس من كانون الثاني 1949 وكان من أبرز مؤسسيه كمال جنبلاط وفريد جبران وألبرت أديب وعبد الله العلايلي وفؤاد رزق وجورج حنا.
انضم الحزب إلى الحركة الوطنية اللبنانية التي كانت جبهة مؤلفة من الحزب التقدمي الاشتراكي وأحزاب أخرى.
قاد الحزب برئاسة كمال جنبلاط ثورات مطلبية عديدة منها في عامي 1952 و1958. تمكن جنبلاط الأب من بناء حزب لعب دوراً فعالاً في لبنان من 1975 إلى 1990، وخاض معارك شرسة لمواجهة دخول القوات السورية الى لبنان. وفي 16 اذار 1977 اغتيل كمال جنبلاط، وتم إلقاء اللوم على الحكومة السورية. وصرح جورج حاوي بعد مدة، بأن رفعت الأسد كان وراء عملية الاغتيال.
ورث جنبلاط الابن زعامة الحزب بعد اغتيال والده، وقاده في أحلك مراحل الحرب الأهلية اللبنانية.
رسخ وليد جنبلاط نفوذه في السلطة اللبنانية منذ اتفاق الطائف، فتمثّل الحزب بكتل نيابية وازنة في كل الدورات الإنتخابية وكان جزءاً من تركيبة السلطة السياسية في كل المراحل.
شكل وليد ركيزة من ركائز قوى 14 آذار فتصدّر واجهة الهجوم على سوريا، لكن رئيس التقدمي كان الأسرع في الخروج من نسيج 14 آذار، فباشر قبل انتخابات عام 2009 في الإنفتاح على “حزب الله” عبر لقاءات مع قياداته بعد قطيعة.
بعد الإنتخابات سارع جنبلاط إلى دقّ اول مسمار في نعش قوى 14 آذار، مما دعا حليفه سعد الحريري إلى مهاجمته بحدّة.
حاول جنبلاط بعد خروجه من 14 آذار أن يتموضع في الوسط، إلاّ أن أزمة سوريا عام 2011 عادت وجذبته إلى موقع العداء مع النظام السوري. كما تصدّر الحزب التقدمي في مواجهة دمشق منذ عام 2012، ونظّم جنبلاط حملات إعلامية تضامنية مع حمص، في وقت كان خصومه يتهمونه بأنه يسعى إلى إثارة الدروز في السويداء ضد دولتهم، مما إنعكس سوءاً على علاقة جنبلاط بحزب الله وباقي قوى 8 آذار. هذا التاريخ الحافل للحزب التقدمي الاشتراكي ولوليد جنبلاط الذي فرض نفسه كرقم صعب في المعادلة اللبنانية، سيكون ارثاً ثقيلاً على تيمور الذي لا بد ان يستكمل مسيرة الحزب النضالية باسلوب جديد واداء مغاير.
.