كتب زياد أ. يممين لـ”أخباركم – أخبارنا”
بعد فشل تفكيك روسيا إجتماعياً وسياسياً، جراء تخطيها العقوبات المفروضة عليها، وجراء الانتصارات التي يحققها الجيش الروسي في الدونباس وخاركوف وبدء هجومه المضاد الناجح لاستعادة كورسك كاملة، نتلمس عدم مسؤولية صناع القرار في الـ USA والـ UK اللتين يبدو أنهم سيسمحوا لكييف بضرب العمق الروسي بأسلحة هي الأبعد إلى حينه، مثل صواريخ GRUM وJASM الأميركية و STORM SHADOW البريطانية. وهذا سيكون أكبر تصعيد عسكري بين أكبر قوتين نوويتين عالمياً، منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1963، مما سيحول المواجهة من حرب عالمية ثالثة مخفية إلى علنية. وهذا كله، بسبب قلة معرفة وخبرة حكام واشنطن ولندن بالعلاقات الدولية والجيو-استراتيجية، خصوصاً في البيت الأبيض الأميركي، وذلك للهروب إلى الأمام وإخفاء خسارة مشروعهم السياسي -العسكري في أوكرانيا ضد موسكو، وعلى أبواب انتخاباتهم الرئاسية، التي وان اكتشف الناخب الاميركي حقيقتها (هذه الخسارة)، فسوف يطيح بالديموقراطيين من الحكم وبنسب تصويت كاسحة لصالح ترامب. فالقيادة الروسية تعلم جيداً بأن استهداف عمقها العسكري والمدني حاصل لا محالة، وهي وإن تمكنت من إسقاط أغلبية الأسلحة الهجومية التي ستوجه إليها، فإن عدداً ولو ضئيلاً منها سيصيب أهدافه، فما العمل أمام حالة إعلان حرب رسمية بهذا الشكل عليهم من قبل ندّهم النووي الأكبر؟!
بالطبع، لن تنجر الحكومة الروسية إلى رد همجي -متسرّع يعطي ذريعة يسعى إليها الأميركيون لضرب القواعد والأصول الروسية في وسط أوروبا وبحري البلطيق والأسود، بضربات استباقية واسعة النطاق تقضي على الإنجازات التي حققتها روسيا حتى الآن في السياسة والأمن وتمدد النفوذ في هذه المناطق، على خطى هدفها الاستراتيجي الأكبر والمتمثل في إقامة نظام دولي جديد متعدد القطبية لكسر الهيمنة الأميركية دولياً، بالصبر وبالتدرج. لذا، فخياراتها للمضي في استنزاف الغرب الجماعي بقيادة واشنطن مالياً وتسليحاً ورأياً عالمياً عاماً، لن توقفها قبل تحقيق أهدافها المعلنة في أوكرانيا، والتي من الممكن أن تصل نتائجها إلى حد تفكك حلف الناتو وانكفاء الولايات المتحدة إلى محيطها الحيوي فقط (عقيدة مونرو) للتفرغ إلى حل مشاكلها الداخلية المتصاعدة. لذلك ستتمحور خيارات الروس حول التالي :
1- متابعة استهداف بنى أوكرانيا التحتية العسكرية ولكن بوتيرة أوسع وأعنف حتى تعطيش ما بقي من قوات مسلحة لوجستياً: إنتاج حربي، مراكز تجنيد، مراكز قيادة وسيطرة واتصال، مقرات استخباراتية ونقاط حروب سيبرانية واعلامية – نفسية .
2- الإستهداف المتصاعد كماً ونوعاً لمقرات الدعم الخارجي التي تأوي مستشارين وخبراء وضباطاً ومرتزقة اجانب من حلف الناتو، سواء كانوا عسكريين أم مدنيين متخصصين في حروب الجيل السادس التي تتوسل الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية، والخوارزميات الكمومية Quantum Physics)) ومعدات الحرب الجو – فضائية من سواتل وشبكات أمنية عالية السرية Secret Military webs لا يدركها الا المتخصصون (عددهم قليل جداً) خوفاً من كشف رموزها.
3- سهل جداً على دولة متطورة تكنولوجياً كروسيا من أن تعطل الكابلات البحرية المعلوماتية Sea Fiber Optics Web الموجودة في بحر البلطيق شمالاً الذي يحيط بشمال أوروبا ودول البلطيق الثلاث والمانيا، مما سيخرج عن الخدمة الكثير من مرافق الاقتصاد والمواصلات والاتصالات، ويساهم بالتالي في استفحال الازمات الطاقوية والتصنيعية والمالية التي تعاني منها هذه البلدان.، إضافة إلى كل دول الاتحاد الأوروبي، فالمانيا هي القاطرة الأولى لاقتصاد وأعمال أوروبا بكاملها. إضافة إلى تعطيل شبكة هذه الكابلات البحرية في البحر الاسود المجاور لدول جنوب شرق أوروبا من مولدوفا ورومانيا وبلغاريا إلى دول البلقان الأعضاء في الناتو والاتحاد الأوروبي .
4 – تعطيل أقمار صناعية عسكرية – تجسسية أميركية وبريطانية، تعمل فوق غلاف الجو الأوكراني بواسطة أسلحة جد متطورة ونوعية ابتكرها الفيزيائيون والتقنيون الروس، قادرة اما على التشويش عليها واما إعطابها، او حتى تدميرها بصواريخ جو – فضاء صنعت خصيصاً لمهمات كهذه، خاصة بعد الهجوم على كورسك الذي أعطيت احداثياته بواسطة هذه الأقمار المعادية، التي زودت الأوكران بنقاط ضعف انتشار الحامية الروسية فيها، في شكل سمح لهم بشن هجوم مباغت وغير متوقع يصعب على أي جيش صدّه.
5- لتأمين المقاطعات الروسية المحاذية براً لأوكرانيا في الشمال، قد تضطر القوات الروسية على فتح جبهة جديدة شمالية في مقاطعتي سومي وتشرنيهيف لإقامة مناطق عازلة هناك، وهذا خيار منطقي ومتاح جداً لمنع أي محاولة توغل أوكرانية جديدة مستقبلاً داخل مقاطعتي بلغورود وبريانسك، كما حصل في كورسك. وفي حال لجأت قيادة الكرملين إلى هذا الخيار، فلا مفر من وضعها مستقبلاً تحت سيادة الدولة الروسية.
وبالتالي، فإن إمكانية ضرب العمق الروسي تقابله إجراءات مضادة مؤلمة اكثر ومحتملة جداً يتخذها الروس، ليس أولها إلا الإستمرار في جعل الغرب ينزف أكثر فأكثر، عسكرة ومالاً ومجتمعاً، وسيطرة على المزيد من أراضي أوكرانيا، وآخرها ليس إلا إعلان الرئيس بوتين بأن ضرب عمق أراضيه ليس إلا تأكيد على تورط حلف الناتو في حرب عالمية ثالثة مباشرة وعلنية ضد روسيا (مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على مسار الحرب ونتائجها التي لن تكون أبداً في صالح الغرب جماعياً)، بعد أن كانت حرباً عالمية ثالثة بالوكالة ومخفية.