كتب حنا صالح في صبيحة اليوم الـ1841 على بدء ثورة الكرامة
التصعيد الإسرائيلي مستمر، والمسعى الأميركي لإختراقٍ ما بوقف النار على جبهة لبنان أو غزة أمام حائط مسدود. لا محادثات الدوحة ستفضي إلى تسوية أو هدنة أيام في غزة، ولا زيارة هوكشتين إلى تل أبيب وما سيتخللها من لقاءات ستحمل غصن زيتون، فحتى 5 تشرين الثاني موعد العالم مع الإنتخابات الأميركية، سيزداد الإجرام الإسرائيلي وسيمضي مجرم الحرب نتنياهو في الإستباحة والقتل الجماعي وتراكم الدمار وسفك الدماء عن سابق تصور وتصميم، وفي محو مزيد من القرى الأمامية عن الخارطة، بذريعة تدمير أنفاق حزب الله والبنية العسكرية التي أقامها جنوب الليطاني.
الشعب اللبناني يريد وقف الإعصار الإسرائيلي، وحماية أرواح اللبنانيين وحقن الدماء التي تهدر عبثاً، ووقف الهزيمة عند الحدود التي بلغتها. فكفى لهذا الإنكار بعد شهر على إغتيال نصرالله ومنع العدو إمكانية تشييعه بشكل لائق. إن أعداء وقف النار هما نتنياهو ونظام الملالي ومحوره.
الأول يرى أن الفرصة مؤاتية لإحداث وقائع كبرى على الأرض، عبر التدمير الممنهج للبنان والمضي بإقتلاع شعبه. وعبر مزيد من الضربات التي ينزلها العدو ببنية حزب الله وقدراته البشرية والعسكرية. هو نهج متكامل ويتقدم ويحدث المزيد من الوقائع، رغم تمكن المقاومين من إلحاق الأذى الكبير بعدد من المستوطنات، وإنزال خسائر بشرية جدية بالجيش الإسرائيلي. ذلك قد يؤخر المخطط الصهيوني لكنه أعجز من وقفه. لم تعد إسرائيل الدولة التي تراهن على الحرب الخاطفة والتي تخشى الخسائر البشرية. فمن وضع في آخر اولوياته إستعادة الأسرى من غزة، يعرف جيداً أن القدرة موجودة على تحمل مقتل مئات العسكريين وجرح الألوف، وقد قدم له محور الخراب بقيادة طهران، يومي 7 و8 تشرين أول 2023، فرصة تاريخية لفرض سطوة دولة العدو وتصفية الحساب مع إستثمار إيراني إستغرق 4 عقود وأفضى إلى وصول الهيمنة الإيرانية إلى المتوسط، والأهم الفرصة لدولة واحدة من النهر إلى البحر هي إسرائيل!
والثاني نظام الملالي، الذي يقود مباشرة مجموعات “المقاومة الإسلامية” بعد الضربة القاسية لكل الهيكل القيادي لحزب الله، يريد بقاء الجبهة مشتعلة، وإستمرار المقاومة، لأنه، رغم الضربة الإسرائيلية الموجعة التي طالت مشروعه الباليستي وفضحت قدراته وأذلت حرسه الثوري وفضحت نفاقه، يأمل ع الحامي بلورة صفقة قذرة مع الأميركيين ومع الإسرائيليين. إنه الطرف الذي يمنع حتى تاريخه أي خطوة لإعادة تكوين السلطة، لأنها تسحب من يده أوراق التفاوض على لبنان خدمة لمشروعه. إنه الطرف الرافض خروج لبنان من هذه المقتلة تحت عنوان تنفيذ متكامل ودقيق للقرار الدولي 1701 لأنه يعني دفن “وحدة الساحات”. ويضع حزبه، حزب الله، أمام الحقائق الكبرى والثمن الحقيقي، وهو أن قرار تحويل لبنان إلى جبهة إسناد كلف البلد دماراً وخراباً وأخطر تهجير، ورتب على اللبنانيين الأثمان التي لا قدرة لهم على تحملها!
وبعد، الناس متروكة لمصيرها والأسى والخوف من الآتي يخنق العبارات ويخرس الألسن والدموع تحجرت في المآقي. إنهم يدركون أن من سيقيض له البقاء بعد مخطط الإبادة الصهيوني سيواجه أكبر التداعيات، والمشهد ناطق وصارخ ومعبر: لا سلطة تنفيذية، فرئيس الحكومة وبين يديه إمكانية إتخاذ القرار، وهذا مطلوب منه، يلتزم توجهات الجهة المتسلطة على البلد وتعتبر كل المآسي خسائر جانبية. أما رئيس البرلمان الذي يعطل مجلس النواب ويمنع أي خطوة لإعادة تكوين السلطة، فبدأ يروج لما أسماه “لواء الجنوب”، أولويته حماية البندقية اللاشرعية وليس حماية البلد. أولويته عودة زمن “الأمن الذاتي” لتعويم تسلطه على لبنانيين يتحمل قبل سواه مسؤولية تدمير حياتهم وجنى أعمارهم. ولا أي جهة مسؤولة في كل الطبقة السياسية، لا برلمان ولا نواب، ومن يطلقون على أنفسهم تشمية “معارضة”، ليسوا إلاّ حالات صوتية يذكر أصحابها بين حين وآخر أنهم يتنفسون وهم على قيد الحياة. أما بعض الجهود التي بذلت بعد النداء النيابي الثلاثي لابراهيم منيمنة وفراس حمدان وبولا يعقوبيان، إلى النزول الجماعي إلى المجلس لكي يتحمل البرلمان المسؤولية السياسية والأخلاقية بوصفه الجهة المعنية بصنع السياسات العامة، لجهة إلزام الحكومة بنهج سياسي إنقاذي بديل، وإنتخاب رئيس للبلاد لأنه مفتاح الإنتقال بالوضع من حال إلى حال..جهودهم وصلت إلى حائط مسدود. وتوازياً إستساغ نواب الأمة المضي في إجازتهم المفتوحة، وبينهم العشرات نقلوا عائلاتهم إلى الخارج حيث حساباتهن وأموالهم هي وطنهم الحقيقي.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.