كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
“إنها مرحلة إنتقالية مؤقتة وإجبارية كان (ا ل ح ز ب) مضطراً الى عبورها لكي يقدم برهاناً عملانياً على انه تجاوز للتوّ التداعيات السياسية لحدث اغتيال امينه العام السيد حسن نصر الله المدوّي، بعدما اثبت مقاتلوه في الميدان، وخصوصاً الحدودي، انهم استوعبوا أحداث تصفية اسرائيل لمعظم القيادة العسكرية للحزب”.
تلك هي القراءة الاوليّة التي اعطاها خبير في شؤون (ا ل ح ز ب) بعد اعلان مجلس الشورى فيه، أنه قد انتقى نائب الامين العام منذ عام 1991 الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً للحزب.
الذين يعرفون طوايا (ا ل ح ز ب)، يعلمون يقيناً ان الشيخ قاسم، والذي أسماه شورى (ا ل ح ز ب) اميناً عاماً، كان مرتاحاً في المنصب الذي تولاه منذ اول مؤتمر عام أجراه (ا ل ح ز ب) في عام 1991، وكان ايضاً مرتاحاً الى كونه حامل ملفات اساسية بالغة الحساسية، كملف الانتخابات النيابية وتسمية وزراء (ا ل ح ز ب) والمؤهلين لتولي مراكز إدارية في الدولة، فضلاً عن ملفات اخرى.
لذا، لم يكن هذا الرجل الذي دخل للتوّ عقد السبعين، مدرس الكيمياء في الثانويات الرسمية كمتخرّج من كلية التربية في الجامعة اللبنانية، يطمح للتصدي يوماً ما لمهمة الامانة العامة للحزب.
الشيخ قاسم بدأ تجربته السياسية في حزب الدعوة الشيعي العراقي المنشأ، ثم انتقل ككثير من اقرانه واترابه، الى حركة “أمل” التي بدأت تصعد في نهاية عقد السبعينات، اي في ذروة الحرب الاهلية. ثم انتقل مع مطالع عقد الثمانينات ليكون واحداً من عداد النواة ذات الروافد المتعددة التي نمت لاحقاً تحت مسمى “حزب الله”، والتي بكرت في اعلان الولاية التامة للنظام الاسلامي الناشىء للتوّ في إيران. وهو يعرف تماماً حدود قدراته وما هي الامكنة والمواقع التي يجيد فيها ويعطي بسخاء واريحية.
وبناء عليه، لم يضع الرجل في حساباته أن يتولى في التجربة السياسية التي استقر فيها اخيراً أن يتولى يوماً ما أمانتها العامة. لذا، تنازل عن طيب خاطر عن المطالبة بحقه في هذا المنصب لرفيقه في التجربة السيد حسن نصر الله، عندما اغتالت اسرائيل في عام 1992 الامين العام الرسمي الاول للحزب السيد عباس الموسوي، لعلمه بأن الامر ليس عملية مفاضلة وبناء على مسار ديموقراطي على غرار بقية الاحزاب، بل هو نتيجة رحلة اعداد وتهيئة.
لذا، وعندما ضربت اسرائيل ضربتها اللئيمة للحزب بعد ظهر 27 تشرين الاول الماضي باغتيالها للسيد نصر الله، لم يكن امراً مزعجاً للشيخ قاسم أن تشخص أنظار (ا ل ح ز ب)، قيادة وقاعدة، نحو رئيس المجلس التنفيذي في (ا ل ح ز ب) السيد هاشم صفي الدين كخليفة محتمل ومؤكد.
وكان للأمر أن يتم بسلاسة لو لم يسقط الخليفة المنتظر نفسه تحت أنقاض مبنى قيادة (ا ل ح ز ب) الواقع تحت مجمّع أبنية بين الليلكي والمريجة في عمق الضاحية، ويعلن عن انقطاع الاتصال به مقدمة لاعلان وفاته.
على الأثر، تشعّبت الرؤى في داخل (ا ل ح ز ب) وخارجه حول خليفة الخليفة، وكان من الصعوبة بمكان للعالمين ببواطن الأمور عند (ا ل ح ز ب) ان يعثروا على مرشح آخر غير الشيخ قاسم. فهو وان كان زاهداً بتولي هذه المهمة الضخمة، الا انه ابن هذه التجربة من بداياتها، فهو عضو شورى القرار في (ا ل ح ز ب) ومن الآباء المؤسسين له ولجهازه التربوي، ومن المولجين بالنطق بلسانه عندما لا يكون المتحدث السيد نصر الله نفسه.
اما وقد استقر رأي (ا ل ح ز ب) وحسابات مرجعيته السياسية العليا في طهران، على ان يتولى قاسم هذه المهمة التي كان يفضل دوماً الا يتجرّع كأسها وان توكل الى سواه، فالثابت أن الرجل الهادىء الرصين يدرك حجم التحديات التي تنتظره. وبمعنى آخر، يعلم يقيناً انه سيخلف شخصية استثنائية فذّة ملأت الدنيا وشغلت الناس على مدى أكثر من ثلاثة عقود، لذا فهو سيكون ظالماً لمن يأتي بعده.
فضلاً عن ذلك، فان الشيخ قاسم سيتولى حزباً ليس في أسعد اوقاته أو في أحسن حالاته، واستتباعاً ليس في حال صعود وارتقاء على غرار ما كان عليه (ا ل ح ز ب) يوم تولى سلفه السيد نصر الله مهمة السيد الموسوي.
وبمعنى أكثر وضوحاً، يتعيّن على الشيخ قاسم أمر قيادة حزب فقد للتوّ غالبية قيادته التاريخية السياسية والعسكرية دفعة واحدة، وهو امر نادر الحصول، وهو ما يفرض عليه أن يتولى قيادة حزب نزف كثيراً من دمائه، وكثيراً من رصيده الذي راكمه طوال اكثر من اربعة عقود. واستطراداً، سيتولى قاسم مهمة قيادة حزب يجهد كثيراً لكي ينفي عن نفسه صفة المنكسر، كما عليه أن يبذل جهوداً جبّارة لكي يبقي نفسه حاضراً وموجوداً في قلب معادلة سياسية بالغة التعقيد والانقسام الى حد التناحر، يجاهر كثير من اللاعبين على مسرحها برغبتهم في ان يختفي هذا (ا ل ح ز ب) وقد شكل لهم بنموه وصعوده عامل ازعاج وعنصر منافسة ومزاحمة، فيما يتمنى لاعبون آخرون أن يصبح أصغر حجماً ليتعادل معهم في الحجم والادوار ولا يتعالى عليهم.
في المعلومات، ان (ا ل ح ز ب) هيأ مدفن السيد نصر الله وصفي الدين، واختار أن يدفنا في باحة مجمّع سيد الشهداء في الضاحية، وفي الوقت نفسه اعاد هيكلة اتخاذ القرار في (ا ل ح ز ب) معتمداً على صيغة “حاملي الملفات” الذين يتمتعون بصلاحيات مطلقة.
شهر بكامله انقضى على غياب سيد (ا ل ح ز ب)، وهي كانت بمثابة مهلة كافية لكي يظهر هذا (ا ل ح ز ب) بمظهر المتجاوز للأزمات التي حلت به منذ نحو اربعة أشهر.