كتب جورج حايك
أهل بشري ليسوا بسطاء، بل غالباً ما اختبروا اعتداءات الطامعين والطامحين، وليست جريمة القرنة السوداء إبنة ساعتها، فالخلاف بين الضنية وبشري بسبب المياه في أعالي بقاعصفرين، مرتبطاً بنزاع تاريخي عقاري على ملكية المشاع بين اهالي المنطقتين. لكن ولا مرة وصل الأمر بينهما إلى اعتداء مسلح وهدر الدم أدى إلى مقتل شابين من بشري هما مالك وهيثم طوق.
لكن البعض في بشري يتكلّم عن بُعد آخر لهذا النزاع، بل نيّات خطرة لا تتعلق بمسألة الحدود العقارية والمياه، وقد يكون سكّان الجانبين، وهم من السنّة والمسيحيين، مجرّد وقود له، ويدفعان ثمنه من أمنهما و”العيش المشترك”. ولا أحد يدري مدى ارتباط المرجعية السياسية لبعض مزارعي الضنية وهو النائب فيصل كرامي بمخطط قديم – جديد لـ”حزب الله”، وكان أهالي بشري صارحوا الكثير من الرسميين عن مخاوفهم من هذا المخطط الذي يقضي بربط القمم والطرقات الجبلية على طول السلسلة الشرقية، من الجنوب الى الشوف والبقاع وجبيل، فالشمال، بعضها ببعض، بما يعطيه سيطرة استراتيجية وأمنية على هذه المناطق كلّها، من جهة، ويترك له المنافذ بين لبنان وسوريا، والحيوية بالنسبة اليه، مفتوحة، ليتلقى منها المال والسلاح.
في مرحلة سابقة، أيقن نائبا بشرّي ستريدا جعجع وجوزف اسحق وأيقنا حجم المشكل الحاصل وجذورَه الفعلية. ولهذه الغاية، حملا الملف وطرقا باب عين التينة، وليس سواها، لمحاولة ايجاد حل لها، وخصوصاً ان جسور التواصل بين “القوات” والرئيس نبيه بري كانت مفتوحة، حرصاً ألا يحاول البعض إيقاع منطقتي بشري والضنية – المنية في فتنة لا تحمد عقباها.
واللافت أن اللواء اشرف ريفي دخل سابقاً على خط هذا النزاع، معتبراً أن “حزب الله” قد يكون له مصلحة في إثارة المشاكل في الجرود بين أهالي الضنية وبشري. علماً ان النزاعات العقارية المماثلة تنتشر في أكثر من منطقة لبنانية، كجبيل مثلاً حيث الخلاف مستمر بين اهالي اليمونة والعاقورة، وفي لاسا ايضاً، او في القرنة السوداء اليوم. كما ان البعض يتكلّم عن أن “الحزب” يستعين بمتموّلين كبار لاستملاك اراض شاسعة في ساحل الشوف وفي الجنوب (الدبية والرميلة والناعمة وفي جزين كجبل الريحان مثلاً)، وكل هذا التوسّع يعتبره “الحزب” ضرورياً لصون مصالحه الحيوية على المدى البعيد.
لا شك في أن انتشار الجيش اللبناني في مناطق النزاعات الساخنة يريح اللبنانيين، وهو سبق الدخول على الخط في بقاعصفرين مانعاً اي تحرك فيها، معلناً عن مناورات يجريها في المنطقة، وكان ضرورياً استباق ما حصل في القرنة السوداء للتصدي للمخططات المشبوهة التي من شأنها احياء الفتنة المذهبية والطائفية. ومن الضروري أن يتحرّك القضاء لتستعيد الدولة مشاعاتها وتسيطر عليها.
طبعاً الرهان كبير على الجيش اللبناني لكشف صحة الأخبار عن مخطط “الحزب” للسيطرة على الطرقات والمعابر من سوريا إلى لبنان، كما هو الحال بالنسبة إلى الطرقات والمعابر بين سوريا والعراق. فالخلاف على جرود العاقورة ولاسا، يرتبط بوصل خط مباشر من البقاع إلى جرود جبيل إلى الساحل والأوتوستراد الذي يربط بيروت بالشمال، صحيح أن الوضع الجغرافي والسكاني في بشري والضنية ليس بسهولة الواقع في جبيل وجرودها، ولكن له مسبباته ودوافع التي تضعه على أجندة الاهتمام ذاته، سواء بتحقيق خروقات في هذه المناطق، أو في التأثير السياسي هناك. هذا المخطط يطال القمم الجبلية الأساسية ومعابرها التي تربط غرب لبنان بشرقه.
منذ فترة، وزّع “الحزب” فيديوات، تستعرض المهارات القتالية لعناصره القمم والمناطق الباردة. وهذه المهارات تتعلق بالتنقل واطلاق النار من الحركة عبر الدراجات الثلجية، إضافة إلى تجهيزات المقاتلين واسلحتهم وتمويههم والبستهم. واللافت أن كثر لم يروا ان هذا الفيديو موجّه إلى العدو الاسرائيلي، بل يشكّل تهديداً لأماكن متربطة بمكوّنات لبنانية أخرى لا علاقة لـ”الحزب” وبيئته بها!