كتب مسعود محمد ل “اخباركم – أخبارنا”
كان المسكين يمشي بالمظاهرة وينده “فليسقط واحد من فوق” ولم يفقه انهم يقولون “فليسقط وعد بلفور” …
تعامل العرب بسطحية مع هذا الوعد وفهموه كما فهمه هذا المشارك بمظاهرة لم يفقه منها شيئا فضاعت فلسطين … في مثل هذا اليوم سطر الوعد المشؤوم وعبر العقود، وقع الكثير من العرب في نفس الفخ، يتعاملون مع قضية فلسطين بسطحية، غير مدركين عمق الأزمة وآثارها. بسطاء الفهم، وكذلك بعض القيادات، لم يعوا حينها أن وعد بلفور لم يكن مجرد إعلان، بل كان خطوة نحو تدمير فلسطين وتجزئة الأمة.
لكن من رحم هذا الألم، ظهرت رموزٌ لم ترضَ بهذا المصير، رجالٌ اختاروا المقاومة لإعادة فلسطين إلى الواجهة.
وعد بلفور هو رسالة أصدرتها الحكومة البريطانية في 2 نوفمبر 1917، عبر وزير خارجيتها آرثر بلفور، موجّهة إلى اللورد ليونيل روتشيلد، أحد أبرز قادة الحركة الصهيونية. نص الوعد على “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”، مع التأكيد على عدم الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين. هذا الوعد كان بادرة أولية لدعم دولي لتأسيس دولة لليهود على أرض فلسطين، وشرارة لبدء تحول سياسي وجغرافي أثر على المنطقة لعدة عقود.
كانت تداعيات وعد بلفور كارثية على الشعب الفلسطيني. فمنذ صدوره، شهدت فلسطين هجرات متزايدة لليهود من مختلف أنحاء العالم، تمهيدًا لتأسيس وطن قومي، وتفاقمت عمليات التهجير القسري واحتلال الأراضي. وقعت اشتباكات وصراعات متتالية بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، وتصاعدت التوترات التي بلغت ذروتها بالنكبة عام 1948، التي انتهت بإعلان قيام دولة إسرائيل وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين، ومنذ ذلك الوقت، أصبح وعد بلفور رمزًا للاستعمار والظلم.
في ظل هذا الظلم، انطلقت ثورات فلسطينية وعربية، وبرز قادة وحركات مقاومة، حملوا على عاتقهم راية النضال لتحرير فلسطين، من أمثال جورج حبش، وديع حداد، ياسر عرفات، أبو جهاد، أبو إياد، وأبو علي مصطفى، وجميع الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم. تحيةً لهؤلاء القادة ولكل من ساهم في إعادة فلسطين إلى الذاكرة والوجدان العربي والإسلامي، ورفعوا راية الحرية والعدالة، مؤكدين أن الحق لا يموت ما دام وراءه مطالب.
دور إيران بتثبيت وعد بلفور
اليوم، يمكن النظر إلى دور إيران في المنطقة وتأثيرها عبر جماعاتها المسلحة في لبنان وغزة باعتباره جزءاً من المشهد المعقد الذي يثبّت واقعاً جديداً لفلسطين ومحيطها، والذي يمكن وصفه بمفارقة مثيرة. ففي حين ترفع إيران شعارات داعمة لتحرير فلسطين، تبدو خطواتها العملية وكأنها تساهم في إطالة الصراع وزيادة تعقيده، مما قد يخدم استراتيجيات إقليمية ودولية بعيدة عن الهدف الأساسي.
في غزة، تدعم إيران فصائل مسلحة مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي، والتي تنخرط بشكل مستمر في مواجهات متكررة مع إسرائيل. ورغم أن هذه المواجهات تُبقي قضية فلسطين على الساحة الإقليمية، إلا أنها لم تؤدِّ إلى تغيير ملموس على الأرض لصالح الشعب الفلسطيني. بل إن الحصار المفروض على القطاع بات يشكل ضغطاً هائلاً على سكانه، فيما تعمقت الأزمة الإنسانية والاجتماعية، مما أدى إلى نتائج عكسية بالنسبة للغزيين أنفسهم واليوم أيضاً للضفة الغربية وأهلها المهددين بالترحيل إلى الأردن .
أما في لبنان، فحزب الله الذي يتلقى دعماً إيرانياً ويقدم نفسه كقوة مقاومة، ينخرط في استراتيجية قد تساهم، عن قصد او دون قصد، في تجميد الوضع السياسي والعسكري بين لبنان وإسرائيل. إذ ورغم الشعارات المرفوعة لتحرير فلسطين، ادخل جنوب لبنان في حرب مساندة، وتحولت الأولويات إلى تثبيت مواقع إيران داخل لبنان وفي الخريطة الإقليمية ، مما أدى في الواقع إلى سيطرة إيران على القرار اللبناني ويأبعد القضية الفلسطينية عن مركز الاهتمام العربي الحقيقي.
وبالتالي، يمكن القول إن إيران، وإن كانت ترفع شعار مقاومة إسرائيل وإفشال وعد بلفور، فإنها عمليًا، عبر سياساتها في غزة ولبنان، تثبّت شكلاً من أشكال التقسيم والانقسام الذي يضعف القضية الفلسطينية. وبشكل غير مباشر، تعزز حالة الاستقطاب الإقليمي وتديم صراعات غير مجدية تخدم استمرار الاحتلال بدلًا من التحرير الكامل، وتجعل من فلسطين ورقة تُستخدم لتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، بدلاً من أن تكون محور التحرير والأولوية.