كتب ميشال ن. أبو نجم لـ “أخباركم – أخبارنا”

حالة الإنكار للواقع، هي أسوأ ما يمكن أن تحلّ بمجتمع، ولا سيما في لبنان والمجتمعات الشرقية والعربية التي تفضّل الحدس على العقل والمنطق. والوقائع في لبنان، لا تحجب حالة الإحتقان والإشكالات الحاصلة، وتلك التي يمكن أن تحصل نتيجة العدوان الإسرائيلي.
تهجير ديموغرافي، موارد محدودة، هواجس طوائف ومجموعات مختلفة ثقافياً، عدا التحريض والتحريض المضاد إعلامياً والإنطباعات عن الآخر، هذا إذا استثنينا العامل المخابراتي الذي لا يُستَثنى. فضلاً عن ذلك، المخاوف من استفزازات وإقاماتٍ مؤقتة تتحول إلى دائمة، ومن هنا كل العوامل موجودة للإستثمار في فتنةٍ لا تُبقي ولا تذَر.
إزاء هذه الصورة، انتقل التيار الوطني الحر إلى وضع التحرّك، وتثبيت المسؤوليات، في عهدة الدولة، من رئيس مجلس النواب وصولاً إلى الأجهزة العسكرية والأمنية على اختلافها وتنوعها.

المراقِب يسجّل للتيار الوطني الحر أنَّه يبادِر، سواء مع ميشال عون أم جبران باسيل. العونيون لا يزالون يحفَظون خطاب رئيسهم المؤسِّس من باريس في ذكرى الإستقلال عام 2004 عشية الإنسحاب السوري، عندما دعا إلى حوار داخلي لبناني – لبناني، وآخر لبناني – سوري، يستبق أيَّ تطوراتٍ سلبية مع منعطفٍ خطير كخروج سوريا من لبنان. وهم يحفظون أيضاً، أنَّ وفودهم التي زارت شخصياتٍ رئيسية آنذاك، سخرتْ من فكرةِ الإنسحابِ الكامل. وبعد أشهر، كان ما كان من انسحاب، واغتيالات، وعدم استقرار.
وبعد منعطف العدوان بتداعياته الخطِرة، يسجّل “التيار” وباسيل كل شيء. حالة الإحتقان الكامنة، ردود الفعل، التقارير الأمنية والحزبية، التحذيرات الدولية، وكلها تشير إلى احتمالات الإحتكاك وصولاً للإنفجار.
أضِف إليها، ذاكرةٌ جماعية من التجارب الأليمة، وخاصة مسيحياً، في الركون إلى الميليشيا الذاتية بديلاً من المؤسسات الشرعية. هنا لا بد من التحرك تحت عنوان “الدولة هي الحل”، وهذه الدولة ليست فقط أولاً، بل أخيراً أيضاً..

عنوان الدولة، يمكنُه اختصار كتاب باسيل إلى المسؤولين، من بري إلى ميقاتي، فوزير الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، ورؤساء الكتل النيابية والأحزاب. لا بديل منها تحت أي ظرف، وجميع هؤلاء مدعوون لاستنهاض المؤسسات التي يرأسونها، وتوظيفها في ضبط الأمن، والإستفزازات، وتأكيد محورية الدولة والجيش والقوى الأمنية. وهذا الهاجس، له كل ما يبرره خاصة في دوافع بعض القوى السياسية، وربما آخرون، يظنون أنها الفرصة المناسبة لتحقيق طموحاتهم بالسيطرة وعبر التلاعب بحس الدفاع لدى المجموعات اللبنانية.

التحرك اتجاه للمسؤولين على تنوعهم، لكن في ذهن “التيار”، إظهار الواقع والمخاطر في شكل واضح للرأي العام وخاصة المسيحي منه، لعدم الإنزلاق إلى ما يمكن أن يرتد سلباً في نهاية المطاف. صحيح أن الظروف مختلفة في بعض الجوانب، عن ظروف اجتياح 1982 وما رافقه وتلاه. لكن، الأمثولات، التي كانت قاسية، يجب أن تبقى في البال منعاً لتكرارها.

ففي النهاية، لم تنقذ حاملة الطائرات “نيوجرسي” أحداً. والرهان على إسرائيل أوصلَ إلى عدم القدرة على إطفاء فتنة الجبل التي أودت بقرون من العيش المسيحي – الدرزي. أما “المقاومة”، فوصلتْ إلى ما وصلت إليه من اقتتالٍ بين رفاق الصف الواحد. وهذه المسؤولية، ومن ضمنها المسيحية، لا تستثني بطبيعةِ الحال البيئة النازحة، و”ثنائيتها” السياسية، في احترام أصول الضيافة، والإبتعاد عن الإستعلاء بسبب فائض قوةٍ آفاقها مجهولة، واتضح في نهاية المطاف أنها ليس بديلاً من الدولة، والميثاق الوطني، والشراكة.
الكلمات الثلاثة الأخيرة يجب أن تدخل في خطاب الشيعية السياسية، في إطار المراجعة المطلوبة، لا الإمعان في الإنكار…