أخباركم – أخبارنا
كتبت بادية فحص عبر صفحتها للتواصل الاجتماعي فيسبوك
هذا الحائط يقع في الجهة المقابلة لبيتي في حي السراي في النبطية، وهو آخر ما وقعت عليه عيناي قبل الرحيل…
حي السراي، الذي أخذ اسمه من السراي العثمانية المنتصبة على مدخله الشمالي، أعتق أحياء النبطية وأكثرها انخفاضاً، تكرج صوبه الأحياء ومياه المطر في الشتاء، فيصبح أشبه بمدينة عائمة “ما تقول إلا فنيس”، ويزداد بللاً إذا طاف “البرغوت” أو “بير القنديل”…
من جهة السوق، تقودك روائح السحلب والكعك الطازة والعطارة إلى أشهر دكاكينه: حلويات السعادة، لصاحبها علي راضي، الذي يتقن فن ملء ذاكرتنا بكل أنواع الأطايب في كل المناسبات…
حي السراي، قائم على آثار فينيقة، سكنته جماعة صغيرة من الكاثوليك بداية تشكل مجتمع المدينة، ثم انتقلوا بعدما تكاثروا إلى تلة عالية سميت لاحقاً حارة المسيحيين، كما حدثني مختار الحارة الوديع، وديع رحال وزوجته المدرّسة النجيبة ياسمين جروان قبل أن يناما على رجاء القيامة جنباً إلى جنب في المقبرة أعلى التلة…
حي السراي، يحضن أعتق مساجد النبطية “جامع أبو قرنين” كما تسميه خديجة جارتي، لأنه يزدان بقبتين فيروزيتين، فيه كان يقرأ المؤمنون سراً مجالس العزاء الحسينية أيام العثملي، وفي الزمانات اللاحقة صارت تخرج منه مواكبهم على مدى الأيام العشرة من عاشوراء، ليطوفوا في السوق وينتهوا عند الحسينية، وتلحقهم النساء بالنذور والأدعية والصلوات والدموع…
حي السراي، بمداخله الكثيرة وأدراجه الحجرية ومصاطبه الخضراء وروائح الصابون والشطف والنظافة، صباح كل يوم، وفناجين القهوة تنتظر اجتماع الجارات عند أعتاب البوابات الحديدية الصدئة، وصحون الطعام الطائرة من بيت إلى بيت، والسطوح المتلاصقة التي تشكل ممرات علوية للحي، مرادفة لأزقته السفلية، هو أكثر من أثر إنساني وتاريخ وجغرافيا… هو روح نفخها الله في قلوبنا…
هل سنرجع يوماً إلى حينا؟
