كتب حنا صالح في صبيحة اليوم الـ1847 على بدء ثورة الكرامة
هل تشكل عملية الإنزال العسكري للعدو الإسرائيلي في البترون، التي أثارت أسئلة عن المسؤوليات العسكرية والأمنية، وأسفرت عن إختطاف المواطن عماد أمهز(من بلدة القماطية)، فاتحة مرحلة تصعيد نوعي؟ طرح السؤال أمس بإلحاح مع إعتراف العدو بالإختراق الذي حدث فجر الجمعة، وإصرار العدو على القول أن أمهز شخصية قيادية في حزب الله، رغم نفي الحزب.. وكشف “معاريف” أن أمهز يتمتع بأهمية إستخباراتية عالية والقبض عليه سيعطل أنشطة الوحدة البحرية في حزب الله التي كان من أهدافها منصات الغاز الإسرائيلية. نشير إلى شائعات عديدة سرت بشأنه بعدما وجدت القوى الأمنية في مقر إقامته جواز سفر أجنبي وهاتف ونحو 10 شرائح أرقام أجنبية!
ترافق الإختطاف مع قصف مدمر جنوباً وبقاعاً وخاصة بعلبك، وكذلك للحدود قرب القصير من الجانب السوري فطال مراكز تخزين أسلحة ووقود، والهدف كما يبدو فرض حصار من الجو عنوانه منع إمداد حزب الله بالسلاح. وإلى إعلان العدو عن إغتيال 3 قادة ميدانيين من حزب الله، إتسع التدمير الشامل لبلدات الحافة الأمامية، وبدأ يستهدف بلدات أعمق مثل الخيام التي تبعد بين 8 و9 كلم عن الحدود، ما يكشف عن مخطط جعل المنطقة الحدودية منطقة موت..ذلك الإجرام لم يتأثر كثيراً بالرشقات الصاروخية والمسيرات التي وجهها حزب الله بإتجاه أهداف عسكرية ومناطق بلغت وسط إسرائيل!
هنا لافت تزامن التصعيد وعدم نجاح هوكشتين في التوصل لإتفاق مع نتنياهو يفضي إلى تسوية ووقف النار على الجبهة اللبنانية. إذ يبدو أن إسرائيل التي قدمت الكثير من الشروط على مشروع إتفاقٍ يحمله هوكشتين، وينطلق من فرضية التمسك بالقرار الدولي 1701، والإصرار على تنفيذه كاملاً بكل مندرجاته وبنوده، ما فرض عودة سريعة للوفد الأميركي إلى واشنطن لبلورة رد متماسك على إشتراطات نتنياهو.
في المعطيات الجدية أن واشنطن التي لم تتراجع عن محاولة الوصول لإتفاق وقف نار قد يتطلب وضعه في التنفيذ عدة أسابيع، كرست كمبدأ أن لا تعديل على القرار الدولي 1701 فهو ركيزة الحل، لكن يسعى هوكشتين لتقديم رسالة ضمانات أميركية من البيت الأبيض لإسرائيل تعالج مطالب نتنياهو من نوع:
- منع إعادة تسليح حزب الله، وضبط الجيش اللبناني مدعوماً من رقابة د ولية الحدود مع سوريا كما المطار الدولي والمرافيء بحيث لا يدخل أي عتاد عسكري.
- معالجة الإشتراط الإسرائيلي بالتدخل العسكري في أي منطقة من لبنان “عندما تدعو الحاجة العسكرية الإسرائيلية ذلك”(..) وتدرك واشنطن أنه متعذر تمرير ذلك لبنانياً لأنه يضع لبنان كلية تحت سيطرة العدو.
- تثبيت منطقة حدودية واسعة كحزام موت يمنع عودة الأهالي المهجرين قسراً إليها.. كما فرض رقابة شديدة على حركة العائدين وإخضاع عمليات إعادة الإعمار إلى الرقابة والتفتيش الدائم والفوري.
- إلى زيادة عديد اليونيفيل والجيش اللبناني تطلب إسرائيل وجود قوات دولية أميركية خصوصاً تؤمن لها ضمانة معينة.
واضح أن نتنياهو الذي منحه فرصة إستثنائية لا تعوض، قرار النكبة الفلسطينية يوم 7 تشرين اول 2023 وقرار الكارثة اللبنانية يوم الثامن منه، ماضٍ في مخطط أسماه “حرب الإستقلال” وفرض “السلام” الإسرائيلي، “السلام المبني على القوة” والمضي بعيداً في تدمير القدرات العسكرية والبشرية للأذرع الإيرانية، ليستأثر كذلك بلقب ملك إسرائيل الذي حمله أريال شارون في حرب ال73 عندما إخترق قناة السويس ( الدفراسوار) وطوق الجيش المصري.. لكن ما يثير الغثيان هو أداء المتسلطين على البلد!
في كل هذه المفاوضات وإعلان نبيه بري تكراراً أنه “وضع” عناصر التسوية مع هوكشتين، ما من بند يتعلق بعودة المهجرين قسراً ومعالجة القضية الأخطر عندما تضع الحرب أوزارها. كما إسرائيل وإيران إعتبرتا قتل اللبنانيين وإقتلاعهم وتهجيرهم مجرد خسائر جانبية، فبقايا السلطة تتعامل مع الشعب اللبناني وفق هذه القاعدة. ورغم كل الخطورة التي تحدق بلبنان وأهله، يطرح السؤال نفسه عن إمتناع أكثر القوى السياسية عن الذهاب إلى إعادة تكوين السلطة، كي يكون للبنان الحضور والإحترام والصوت المسموع دفاعاً عن سيادة وحياة أبنائه. فهل بعدم إنتخاب رئيس للبلاد وإفساح المجال لقيام حكومة خلاص وطني تقطع مع حكومات المحاصصة المقيتة، نحبط مخطط نتنياهو الإجرامي؟ عجبي؟
مفهوم أن قراراً إيرانياً يمنع إنتخاب رئيس للبلاد كي يبقى لبنان ورقة بيد طهران، وينفذ ذلك حزب الله وبري وفرنجية على وجه الخصوص، لكن السؤال الجدي موجه إلى القوى الأخرى التي ترفض أن ينتخب الرئيس الآن، فما هي أهدافها؟ وماذا تريد؟ السؤال اليوم برسم حزبي التيار العوني والقوات، فكل هذه الأطراف تلتقي موضوعياً على إبقاء الشغور الرئاسي والفراغ في السلطة رغم الخطر الداهم على الوجود!
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن.