كتب جورج حايك: يُقال إن القامات الكبيرة لا تُعرف إلا خلال الأحداث الكبيرة والخطيرة، وهذا الكلام ينطبق على النائب ستريدا جعجع التي تعاملت مع جريمة القرنة السوداء بحكمة كبيرة رغم جرح استشهاد شابين من بشري هما مالك وهيثم طوق، علماً أن ستريدا من عائلة طوق وهي معنيّة بما حصل عائلياً ونيابياً كونها انتخبت عن مقعد قضاء بشري، إضافة إلى أنها تمثّل “القوات اللبنانية” التي تبقى بشري عرينها الأساسي.
عندما وقعت جريمة قرنة السوداء بعملية اطلاق نار عن سابق تصوّر وتصميم، وسقط الشهيدان من آل طوق، اشتعلت النار في صدور أهالي بشري، علماً ان الخلاف بين بشري وبقاعصفرين (الضنية) قديم-جديد، والجميع يعرف ان شباب بشري لا يتسأهلون عند أي اعتداء عليهم، وكان هناك احتمال من تطوّر الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه.
أمام هذا الواقع كان لا بد من أن تبادر ستريدا إلى تحمّل مسؤولياتها، وكان مطلوباً التحرّك السريع لتلقّف كرة النار وحماية بشري من أي ردة فعل، ربما تبدأ من القرنة السوداء وتمتد إلى كل المناطق اللبنانية المحقونة والمتضامنة مع بشري.
لا شك في اننا عندما نقول ستريدا جعجع لا نقصدها وحدها إنما خلفها حزب كبير هو “القوات اللبنانية” الذي يحرص أن تكون خطواته مدروسة ومسؤولة، وخصوصاً في أجواء الاحتقان التي بلغت الخط الأحمر منذ أيام قليلة.
طبعاً ستريدا إبنة مجتمعها أي بشري، وتعرف أهلها جيداً وهي مطلعة على الخلاف مع أهالي الضنية وخصوصاً بقاعصفرين، وشعور الغضب والحزن مرّت فيه فور علمها بحصول الجريمة، لكن كونها في موقع المسؤولية كان مطلوباً منها الكثير وخصوصاً أن الضغط كان كبيراً عليها، فرسمت خطة من ثلاثة محاور لإمتصاص النقمة وتفادي ردات الفعل العنيفة التي قد تحصل، والمحاور الثلاثة هي:
المحور الأول قيادة الجيش، إذ بادرت ستريدا إلى الاتصال بقائد الجيش العماد جوزف عون، لوضع القضية بين يديه، وحرصت على وضعه بكل التفاصيل التي توفّرت لها، وتبادلا المعلومات، وبدا ان التنسيق تام بين الطرفين، علماً أن لقاءات سابقة حصلت بين ستريدا والعماد عون، وهذه العلاقة بين “القوات” وقيادة الجيش أزالت الكثير من الأفكار السابقة فباتت العلاقة أكثر نقاء. استلم الجيش التحقيق ووعد بالشفافية ونتائج سريعة، وأبدت ستريدا تعاونها بكل ما يلزم، وصولاً إلى إقناع شباب بشري الذي كانوا قريبين من الحدث لتقديم شهاداتهم، وهم لا يزالون لدى قيادة الجيش، والتنسيق قائم مع “القوات” بهذا الخصوص. ولم تكتف ستريدا بذلك، إذ حصلت اتصالات مع مسؤولين ومرجعيات كالرئيس نجيب ميقاتي والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي وغيرهما.
المحور الثاني، كان لا بد من توجّه ستريدا إلى بشري حيث عملت على تهدئة الأهالي هناك، وتعهدت بكشف حقيقة ما حصل في قرنة السوداء والعمل بجديّة لإنهاء الخلاف مع اهالي بقاعصفرين، وخصوصاً ان في حوزة اهالي بشري وثائق رسمية تثبت ملكيتهم للأراضي. فستريدا إبنة بشري، تعرف لغة هؤلاء الشباب وتفهم ردة فعلهم، فقدّمت لهم ما يُطمئنهم، وإمتصت حالة الغضب وقدّمت واجب العزاء وكانت حاضرة معهم ومواكبة لكل ما تلا وقوع الجريمة.
المحور الثالث كان عملية التنسيق مع النائب ملحم طوق، فهو أيضاً يمثّل بشري، ومشهد لقاء نائبي بشري كان مريحاً للبشراويين، وتوّج التنسيق ببيان مشترك حازم وحاسم تحت عنوان “هذه الجريمة لن تمر مرور الكرام”. حزن النائبين كان كبيراً وبدا بيانهما جدياً ووعدا بمتابعة ذيول الجريمة حتى انقشاع الحقيقة كاملة. هذا المشهد الوحودي الذي جمع بين ستريدا وملحم طوق، جعل كل اهالي بشري يقفون خلفهما في صف واحد، وامتنع الجميع عن اطلاق النار خلال دفن الشهيدين.
ستريدا امرأة “حكيمة”، بدت للبشراويين كأم قوية، تدافع عن اهلها واشقائها وابنائها في أحلك الظروف، وستبقى و”القوات اللبنانية” العين الساهرة على قضاء بشري بأكمله، ولن يهدأ لها بال حتى تظهر حقيقة هذه الجريمة النكراء التي طالت شابين من خيرة ابنائها، بشري تنتظر وتترقّب الآن لكن ستريدا لن تهدأ ولن تنتظر كثيراً حتى يعود شبابها من التحقيق ويتم القبض على المتورطين الذين هدروا دماء بريئة على قمة القرنة السوداء.