كتب مسعود محمد لـ “أخباركم – أخبارنا”
يبرز من جديد كما في السنوات الأخيرة، تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بموقفه تجاه فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، وهو الموقف الذي أثار جدلاً كبيرًا على الصعيدين الداخلي والدولي. يعتبر فرض السيادة خطوة هامة في برنامج نتنياهو السياسي، حيث ينظر إليها على أنها جزء من استراتيجيته لتعزيز السيطرة الإسرائيلية وتأكيد الوضع الجغرافي والسياسي لإسرائيل في المنطقة.
مفهوم السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية
تعتبر الضفة الغربية منطقة جغرافية تقع بين إسرائيل والأردن، وهي منطقة استراتيجية لاعتبارات أمنية وسياسية ودينية. سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية تعني ضم هذه المنطقة بشكل رسمي إلى دولة إسرائيل وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليها بدلًا من قوانين الإدارة المدنية والعسكرية الحالية. هذه الخطوة تعني أن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتي تُعتبر حاليًا غير قانونية بموجب القانون الدولي، ستصبح جزءًا رسميًا من إسرائيل. ومن الجانب الفلسطيني، تُعتبر الضفة الغربية جزءًا أساسيًا من الأراضي المحتملة لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
دوافع نتنياهو لفرض السيادة
تمثل الضفة الغربية رمزًا تاريخيًا ودينيًا لدى العديد من الإسرائيليين، ويدافع نتنياهو عن هذه الخطوة باعتبارها جزءًا من حق الشعب اليهودي التاريخي في أرض إسرائيل. علاوة على ذلك، يتبنى نتنياهو هذا التوجه كوسيلة لتعزيز الأمن القومي لإسرائيل، حيث يرى أن السيطرة الكاملة على غور الأردن، على سبيل المثال، تُعتبر ضرورية لحماية الحدود الشرقية لإسرائيل من التهديدات الخارجية.
كما أن الدعم الذي حصل عليه نتنياهو من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتحديدًا من خلال خطة السلام المعروفة بـ”صفقة القرن”، كان دافعًا قويًا لتعزيز رؤيته لضم أجزاء من الضفة الغربية. ولكن، مع تغير الإدارة الأمريكية وعودة الموقف الداعم لحل الدولتين في عهد الرئيس جو بايدن، باتت هذه الطموحات تواجه تحديات دبلوماسية كبيرة.
ردود الفعل الداخلية والدولية
أثارت خطط نتنياهو لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ردود فعل واسعة، فداخل إسرائيل، ينقسم الرأي العام بين مؤيدين يرون في هذه الخطوة تحقيقًا لحلم تاريخي وتعزيزًا للأمن الوطني، ومعارضين يخشون من أن يؤدي ذلك إلى عواقب ديموغرافية وأمنية خطيرة، ويعرقل مساعي السلام مع الفلسطينيين.
على الصعيد الدولي، أدانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول العربية والأجنبية خطة الضم، معتبرة أنها تنتهك القانون الدولي وتهدد فرص السلام في المنطقة. كما أن هذا الموقف أثار قلق العديد من الجهات التي ترى أن فرض السيادة سيزيد من تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط ويؤدي إلى تصاعد التوترات بين إسرائيل والفلسطينيين.
تعليق الخطة ومرحلة ما بعد التطبيع
في أغسطس 2020، تم تعليق خطط فرض السيادة جزئيًا بعد توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، حيث كان تعليق هذه الخطط جزءًا من التفاهمات الدبلوماسية مع هذه الدول. إلا أن نتنياهو لم يتراجع عن فكرته بشكل كامل، بل استمر في التأكيد على أن فرض السيادة سيظل على جدول أعماله، وأنه لن يتنازل عن هذه الرؤية.
ومع عودة نتنياهو إلى السلطة في عام 2024، أعاد التأكيد على مواقفه المتشددة ضد الضغوط الدولية الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي الإسرائيلية. هذه التصريحات أثارت مرة أخرى التساؤلات حول مستقبل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وما إذا كان سيتمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى اتفاق يحقق السلام ويضمن حقوق الطرفين.
فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية يمثل خطوة مهمة في سياسة نتنياهو وأجندته السياسية، ويعكس مزيجًا من الدوافع الدينية والأمنية والسياسية. ومع ذلك، تبقى هذه الخطوة مثيرة للجدل، حيث تواجه معارضة داخلية ودولية واسعة. بينما يدافع نتنياهو عن خطته كوسيلة لحماية إسرائيل وتعزيز هويتها القومية، يخشى المعارضون أن تؤدي هذه الخطوة إلى تفاقم الأوضاع وتعطيل مسار السلام المستقبلي وهذا ما حذر منه القمة العربية امس التي حشدت ثلث العالم لتقول بالسلام مقابل حل الدولتين.