كتب باسل عيد:
أعاد امتناع لبنان عن التصويت على مشروع قرار لإنشاء هيئة مستقلة ترعاها الأمم المتحدة، لتوضيح مصير المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا إلى أذهان الكثير من اللبنانيين، صور أحبتهم الذين فقدوا خلال الحرب الأهلية التي عصفت بهذا البلد، وما تلاها من فقدان مئات الشبان اللبنانيين في السجون السورية، الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم. ولعل المسؤولية الأولى في عدم الكشف عن مصير هؤلاء، تقع بالدرجة الأولى على عاتق السلطات اللبنانية المتعاقبة منذ ما بعد اتفاق الطائف، حين وضعت الحرب أوزارها، لتكلل الدولة مؤخرا تقاعسها وتخاذلها ولامبالاتها تجاه كشف مصير ابنائها، لتبريد قلوب ذويهم الثكلى، بامتناع وزير الخارجية عن التصويت لصالح كشف مصيرهم، وهو أمر يثبت ارتهان عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين للنظام السوري، ووضعهم مصلحته في رأس سلم اولوياتهم، ضاربين بعرض الحائط كل ما يمت بصلة للمصلحة الداخلية لكن، أين أصبحت قضية هؤلاء المفقودين، وهل ثمة مستجدات لم يتم الاعلان عنها تتعلق بكشف مصير عدد منهم، وبالتالي معرفة أمكنة احتجازهم، وعما اذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.
وفي هذا الإطار، استوضح موقع “أخباركم أخبارنا” رئيسة لجنة المفقودين وداد حلواني، فأكدت انها ولجنة المخطوفين، “استنكرا موقف لبنان الرسمي الذي عبر عنه وزير الخارجية حيال القرار الذي طرح للتصويت في الامانة العامة للامم المتحدة”. ووصف ذلك الموقف ب”المعيب بحق عشرات الالاف من السوريين الذين غيبوا خلال الحرب السورية، الى جانب مئات اللبنانيين في السجون السورية”.
ورأت حلواني انه لا يكفي الاستنكار اللفظي لبعض النواب والقوى السياسية لموقف وزير الخارجية والحكومة في الامم المتحدة، بل عليها ترجمة هذا الاستنكار في مواقف حقيقية فعلية تجاه الالتفاتة الى دعم الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا المعنية بكشف مصيرهم في لبنان وخارجه، لأن الدولة اللبنانية التي امتنعت عن التصويت، جريمتها كبيرة لانها متفلتة من تنفيذ القانون الذي انتزعه الاهالي ومتنكرة لحقوق اللبنانيين المخفيين في الداخل كما الخارج.
واكدت انه “لا يمكن لأي كائن بشري لديه أدنى حس إنساني، إلا ان يصوت لصالح هذا القرار وتنفيذه من دون أي تلكؤ”.
ودعت حلواني للتفكير “بالأعداد الكبيرة من المفقودين والمخطوفين والمعتقلين والمخفيين، وبعائلاتهم التي تنتظرهم منذ سنوات كثيرة”.
وانتقدت تبرير وزير الخارجية بو حبيب بامتناعه عن التصويت بأنه للحفاظ على الإجماع العربي، معتبرة انه بالنسبة لأهالي المفقودين انه “عذر أقبح من ذنب”. وأوضحت انه ومنذ بداية مأساة هؤلاء الأهالي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وما رافقها من قتل وخطف، فإن اللجنة “تطالب بابعاد هذا الملف عن البازارات والنزاعات السياسية المفتوحة، سواء داخل لبنان او خارجه، لأنه ملف انساني بامتياز”.
وعما اذا كان لا يزال هناك أمل في كشف مصير المخفيين داخل لبنان وأين اصبح ملفهم، قالت حلواني: لقد صمد أهالي المخفيين قسراً على مدى كل سنوات الحرب، لأن اللجنة تشكلت في العام 1982 في خضم الحرب الاهلية. وبعد انتهاء الحرب لم تتخل اللجنة عن اصرارها على معرفة مصيرهم، وهم صبروا وعضوا على الجرح. وهم كانوا ولا يزالون يسيرون في مواجهة العراقيل التي تواجههم، ولم يستطع أحد ان يجعلهم يتخلون عن هذا الملف.
واضافت: في العام 2018، وبفضل متابعتنا وتمسكنا بحقنا، استطعنا انتزاع قانون المفقودين والمخفيين قسراً، رقم 105 تاريخ 30/11/2018، واعتبرناه حينها انجازاً كبيراً للغاية بالنسبة إلى قضيتنا. وبموجب هذا القانون، جرى تشكيل هيئة وطنية مستقلة، لديها صلاحيات لا بأس بها، ولديها مهمة وحيدة تتمثل بالكشف عن مصير المفقودين والمخفيين واعطاء الاجوبة الوافية لعائلاتهم.
وشجبت حلواني التعامل الرسمي للحكومة اللبنانية، بعد مرور 5 سنوات على اقرار القانون، والتي لا تزال تضع العراقيل في وجه الهيئة الوطنية وتحرمها من ادنى المقومات التي تسمح لها القيام بمهمتها النبيلة والمقدسة. وتابعت: لا مقر ولا موازنة ولا توظيفات في الهيئة، فيما اعضاؤها يعملون باللحم الحيّ، وانجزوا ما يمكن انجازه من وثائق داخلية مطلوبة وفق تشكيلها.
وشددت على ان الأمل لا يزال موجوداً لكشف مصير المفقودين، وان سلاحهم هو الحق الذي كرسته المواثيق الدولية لمعرفة مصير اهاليهم، سواء احياء او اموات، مؤكدة انهم لن يتخلوا لا عن حقهم ولا عن ذلك الامل.
وكشفت ان اعداد المفقودين بشكل عام بين الداخل والخارج، يبلغ وفقاً لتقدير رسمي عشية انتهاء الحرب يبلغ 17 الفاً، الا ان لجنة الاهالي احصت 2158 مفقوداً. اما الصليب الاحمر الدولي، فإن العدد في بياناته التي انجزها حتى اليوم يبلغ 3088 مفقوداً.
واملت أن يكونوا جميعهم على قيد الحياة، بالرغم من ان هذا الامر يبدو غير واقعي، الا ان من حق اهالي المتوفين استلام رفاتهم بطريقة لائقة وكريمة.
وعن ظروف اختفاء زوجها خلال الحرب الاهلية، لفتت حلواني الى انه مر على اختفائه ما يقارب ال 41 عاماً، وبأن ابنيهما اصبحا شابين وتزوجا وانجبا اولاداً.
ووصفت شدة معاناتها بعد اختفاء زوجها، متمنية ألا يذيقها الله لإنسان، خاصة انها لا تعرف شيئاً عن مصيره، وهو شعور مدمّر للانسان، وهي معاناة تنطبق على كل أهالي المفقودين.
وانتقدت التعامل الرسمي مع لجنة الاهالي، مؤكدة ان الدولة ادارت ظهرها لهم خلال فترة الحرب بعد التحجج بسلطة الميليشيات. وبعد انتهاء الحرب، المزيد من عدم الاكتراث لقضيتهم ومراهنتهم على النسيان بمرور الوقت. واعتبرت ان كل مخفي ومفقود لا يعوّض وجوده أموال الدنيا بأسرها، مشيرة الى انه في العام 1995 صدر قانون يدعو الى اعتبار كل المفقودين متوفين، معتبرة انه كان قانوناً معيباً. ومن بعده استمرت تحركات لجنة الاهالي، واستمرت الحلول المجتزأة من قبل الدولة بتشكيل لجان بلا صلاحيات، فقط من اجل تمرير الوقت، الى ان تم لاحقاً انتزاع قانون المفقودين والمخفيين قسراً.
ودعت حلواني كل من يملك معلومات تساهم في كشف مصير اي مفقود، عليه ان يضعها بين ايدي الهيئة الوطنية، أما من يدلي بمعلومات خاطئة بهدف تضليل التحقيق او تضييع الحقيقة فمصيره العقاب القانوني.