كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1859 على بدء ثورة الكرامة
تحت وابل من الغارات الإسرائيلية المدمرة التي تجددت صباحاً على الغبيري بعد ليل من القصف الجوي المخيف شمل مناطق بقاعية وجنوبية، وأنزل باللبنانيين سلسة مجازر وفرض المزيد من الإقتلاع والتهجير القسري..، وتوازياً مع مضي العدو بتوسيع عملياته البرية لتدمير وجرف مدن وبلدات وقرى الخط الثاني وبعمق قد يصل إلى 10 كلم، تسلم بري وميقاتي من السفيرة الأميركية ليزا جونسون “مسودة إتفاق لوقف النار”، لم تصل بعد حد مسودة إتفاقٍ ناجز.. مسودة أشبه بالسوط المسلط على لبنان لأن العدو الإسرائيلي يضغط للقبول بها أو لينتظر لبنان تسعير العدوان وإتساع حجم الإنتقام من اللبنانيين.
حملت المسودة، التي تضمنت توافقاً أميركياً إسرائيلياً، الكثير من العناوين التي تندرج تحت عنوان موحد هو آلية تنفيذ القرار الدولي 1701. وأخطرها إصرار العدو على “حق” إنتهاك سيادة لبنان أي التدخل العسكري متى يشاء بذريعة وجود أخطار عليه(..) فيما يقال هنا أن واشنطن تميل لإستبدال ذلك بضمانات تقدمها لتل أبيب. وتتضمن رقابة دولية على الحدود لمنع إدخال السلاح ومنع أي تسليح لحزب الله، على أن تكون رقابة رباعية من أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وربما حلّ الأردن مكان ألمانيا. كما تتضمن نشراً مكثفاً للجيش مع اليونيفيل في الجنوب، مع مهمة تفكيك كل البنى العسكرية المتبقية لحزب الله تحت الأرض وفوق الأرض، ومع إشارة لإعتزام الولايات المتحدة وفرنسا تسليح الجيش لتمكينه من القيام بمهامه.
الأمر المهم في هذه المسودة تَمثّل بما اوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، من أن الرئيس المنتخب ترمب وافق على خطة للتسوية في لبنان. وأن الرئيس المنتخب أعرب عن أمله بتنفيذ إتفاق التسوية قبل تنصيبه في العشرين من كانون الثاني المقبل. إنه أمر مهم جداً لأنه يتضمن إشارة إلى أن ترمب سينفذ وعوده أثناء الحملة الإنتخابية المتعلقة بوقف النار في لبنان. وعود تندرج ضمن سياق مشروع لتغيير لا أحد يعرف المدى الذي سيبلغه، وهو يستحق التوقف عنده وأخذه بعين الإعتبار. موضوع إنهاء الحروب ومنها الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي تدمر لبنان، أمر على جدول أعمال الرئيس الأميركي القوي والمطلق الصلاحية، والذي لن يتوقف كثيراً أمام الأثمان الباهظة لها، ما يضع على “بقايا السلطة”؛ بري وميقاتي مهمة تحمل مسؤولية حقيقية، تفترض خروجاً من اللغة الخشبية والمناورات التي مارساها بضغط من حزب الله ومشغليه، ما حرم لبنان أكثر من فرصة كان يمكن له أن يتجنب الكثير من الموت والإقتلاع والدمار والتهجير القسري وكل هذا الذل الذي يعيشه المواطن اللبناني اليوم.
الثمن الذي يطالب به العدو الإسرائيلي مخيف، ولا بديل من القتال بكل السبل الممكنة لمنع العدو من “حق” الإستباحة الدائمة للسيادة، وهو يطالب به تأسيساً على حجم الهزيمة التي وقع بها البلد، والمسؤولية الكاملة عنها لا يتحملها فقط حزب الله الذي أخذ البلد عنوة إلى حرب مدمرة خدمة للأجندة الإيرانية، بل كذلك “بقايا السلطة” التي غطى صمتها وتبعيتها هذه الجريمة، وإلى جانبها تبرز مسؤولية كل الطبقة السياسية: أطراف “نظام المحاصصة المقيت”، والبرلمان المرتاح إلى وضعه والمطمئن إلى قرار رئيسه بمنعه من الإجتماع، لتظهر الأحداث الجسام أنهم جميعاً فقدوا صلاحيتهم وأهليتهم الوطنية، والخوف مقيم مما سيقدمون عليه.
بالسياق، تندرج زيارة علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني اليوم إلى بيروت، وهي تأتي في سياق مضي طهران بالتدخل بالشأن اللبناني، وفي منحى تطويع الموقف بما يخدم مصالها، وليس سراً أن لاريجاني قادم لمناقشة هذه المسودة، وسيسعى لربط أي مشروع لوقف النار بما يمكن أن يخدم مصالح نظام الملالي. وبالتأكيد ليس في جدول أعمال زيارة لاريجاني البحث بالخسائر المخيفة التي تحدث عنها تقرير البنك الدولي فأورد أن العدوان أصاب 100 ألف وحدة سكنية حتى 27 تشرين أول الماضي، أي أن الخسائر في مجال العمران وحده تكون حتى اليوم ضعف هذا الرقم، عدا الخسائر التي تشمل كل القطاعات الأخرى، وأبعاد وتكلفة التهجير الجماعي الطويل الأمد!
لقد فاقم التدخل الإيراني الأوضاع اللبنانية وضاعف من حجم الكارثة التي لم يدرك بعد المواطن عمقها وتداعياتها المستقبلية. وهنا الكل يتذكر ما كانت قد عبرت عنه زيارة الوزير عراقجي عندما هرع لرفض المبادرة الثلاثية وأنّب ثنائي السلطة، ثم من بعده زيارة قاليباف وإعلانه اللاحق أن طهران تمسك ملف التفاوض عن لبنان! لقد كشف هذا المسار أن طهران تعتبر كل الأثمان التي يدفعها لبنان قسراً هي خسائر جانبية، وهو ما ينبغي أن يتوقف، والمسؤولية عن ذلك تقع على الجميع؛ موالاة نظام المحاصصة كما معارضته. لا فرار من المسؤولية عن وضع حدٍ لهذا التدخل الوقح.
وكلن يعني كلن وما تستثني حدن منن