كتب ميشال ن. أبو نجم: تستمر منظومة التسعينات بسعيها لتأبيد سيطرتها وهيمنتها على القرار المالي والإقتصادي والسياسي في البلاد. بعد كل ما حصل منذ “17 تشرين” لا تريد أن تعترف لا بالأزمة ولا تريد حلولاً، ولا تقبل بأي تنازل أو تراجع عن “المنهوبات” التي سلبتها من أموال اللبنانيين ومن مستقبل أولادهم. وبعدما حمت رياض سلامة بأظافرها وأسنانها من الملاحقة القضائية في الداخل اللبناني ومن “نزعه” من مصرف لبنان في فترة حكومة حسان دياب، ها هي اليوم تستعد إما لتعيين حاكم جديد ضرباً بعرض الحائط المشاركة المسيحية في النظام، وبحقوق اللبنانيين ككل، أو تلجأ لتمديد تقني لرياض سلامة، الأداة التي سيطرت من خلالها على الحصن المالي للبنانيين، وبات بعد حكمهم خراباً على خراب…
صورة المشهد الحالي بالغة الدقة. لا لشيء، إلا لأنَّ الجميع تحت المجهر. وبعد انسحاب نواب رياض سلامة من المسؤولية بهذه الطريقة المهينة – المعتادة في الوقت نفسه لبنانياً، باتت الأنظار موجَّهة إلى القوى الإعتراضية على أداء منظومة نبيه بري – نجيب ميقاتي في التعاطي مع ملف الحاكم، وحتى أيضاً على حزب الله الذي قالت قيادته في فترة سابقة إنها لن تغطي جلسات تتم فيها تعيينات كبرى.
وفي المقلب الإعتراضي، تقفز القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر إلى صدارة المشهد، إضافة إلى بكركي. فإلى البعد المالي والإقتصادي الذي يمثله موقف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، والذي تمثل بموقف عالي اللهجة ضد مساعي المنظومة، لن ينشأ “حائط الصد” إلا من القوى الممثلة مسيحياً، في النظام السياسي.
وفي هذا الإطار تتوجه الأنظار إلى موقف “القوات”. ذلك أن التيار الوطني الحر معروف موقفه في هذا الملف لجهة رفض الخيارات الإنتحارية بالتمديد لسلامة أو ضرب الميثاق وانتهاك الدستور بتعيين حكومة تصريف الأعمال المستقيلة حاكماً جديداً، يكون طوع بنانها في استمرار النهج التخريبي في حماية مصالحها ومنع المس بثروات المصرفيين، في أي خطة إصلاحية جديدة.
أما القوات اللبنانية، فهي المعنيّة الأولى بإعلان الرفض الواضح لأي مقايضة أو تسوية في ملف الحاكمية بهذه الطريقة الإقصائية والإستئثارية التي تتم بها. ذلك أنَّ أحابيل رئيس مجلس النواب نبيه بري و”أرانبه”، ربما من شأنها أن “تسيل” لعاب “القوات” على تسوية تتضمن إسم كميل بو سليمان، المرضي عنه من قبل كُلٍ من بري وميقاتي. ولذلك تقول أوساط سياسية مسيحية إنَّه لا بد للقوات من موقف عالي اللهجة وواضح، في حال كانت جدية في مواجهة منظومة التسعينات، خاصة وأنَّ خطابها في الفترة الأخيرة تميز بحدّة تجاه نجيب ميقاتي وأداء حكومته الإستئثاري والإقصائي.
أما بكركي، وبغض النظر عن مواقفها السابقة من رياض سلامة والذي طالما ربطتها بمسألة المواقع المسيحية والمارونية في الدولة، فهي أيضاً المعنية الأولى بموقف جازم تجاه هذا “الإجتياح” الذي يمارسه بري وميقاتي لكل ما يقف في وجههم، مستغلين الشغور في رئاسة الجمهورية. فإلى جانب البعد المالي والإقتصادي الخطير لاستمرار السيطرة على مصرف لبنان، بما في ذلك رفض الخطط الإصلاحية لصندوق النقد ووضع اليد على الودائع وحماية المصارف، باتت هذه المسألة تقارب خطورة الشغور في رئاسة الجمهورية، لا بل أخطر لما تحمله من تداعيات بعيدة المدى على الأجيال القادمة.
في هذا الوقت، يستمر التيار الوطني الحر لا بمراكمة رصيده فحسب، بل باتساع لائحة “مضبطة الإتهام” ضد خصومه في المنظومة، وحتى في كل من استهدفه دون غيره في مرحلة “17 تشرين”. ولائحة “المتهمين” لا تشمل خصومه الإعتياديين وركائز منظومة التسعينات فحسب، بل حتى العبثيين الذين وضعه على قدم المساواة مع هذه المنظومة على قاعدة الشعار السطحي “كلن يعني كلن”.
التدقيق الجنائي، والذي ذكّر بمرحلته الرئيس ميشال عون في إطلالته الأخيرة، أصبح مسماراً في أساس “عمارة” المنظومة المالية والإقتصادية. الملاحقات القضائية في الخارج ضد رياض سلامة والمصرفيين، جهد “التيار” وقياداتٌ منه لجعلها حقيقةً على أرض الواقع. أما نهج بري – ميقاتي في الإستئثار وحماية رياض سلامة ووضع اليد على القرار المالي، فواضح في شدة استهتاره بمصلحة اللبنانيين، وبالشراكة المسيحية التي ليست سوى كلام معسول مجوف من المعنى في خطاب أركان منظومة التسعينات.
هو اتساع مضبطة اتهام “التيار” خصومَه، لكنه أيضاً مراكمة رصيده الشعبي بعد أزمة السنوات الماضية…