كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
كيف يمكن للحزب ان يحافظ على موقعه السياسي المؤثر والفاعل في معادلة “اليوم التالي”، اي ما بعد انتهاء الحرب؟. واستطراداً، كيف سيواجه “هجمات وحملات” خصومه واعدائه الذين بدأوا يتصرفون على اساس أن فرصتهم قد حانت لتحقيق غلبة عليه تنزله عن “عرشه السياسي”، وتجعله قوة خفيفة الوزن والتأثير، ولا تملك “حق الفيتو” على ما ترغب فيه.
الثابت ان الحزب وضع منذ فترة هذا التحدي نصب عينيه، وجعله في منزلة توازي مهمة المواجهات الميدانية التي يخوض غمارها. لكنه بدأ مع تعاظم الحديث عن وقف لإطلاق النار على اساس الورقة الأميركية، يستشعر بأن مروحة الخصوم والمعادين قد انطلقوا بأسرع مما كان يتوقع، في رحلة جادة تفضي الى:
- “تسخيف” مقولة انه خرج من المواجهات التي بدأ خوض غمارها مع الاسرائيلي منذ 13 شهراً، وفي امكانه التحدث عن “نصر” على غرار ما فعله بعد حرب تموز عام 2006. ولعل الكلام الحاد الذي أطلقه الرئيس فؤاد السنيورة خلال زيارته الى الكويت هو النموذج الذي سيحتذى في هذا الاطار.
- الشروع في إطلاق حملة اعلامية – سياسية منظمة عنوانها العريض: ان لا مكان بعد اليوم لسلاح الحزب ومنظومته العسكرية بعدما سقطت عملانياً فرضية انه حاجة لاقامة “ردع متوازن” مع القوة الاسرائيلية الضخمة.
مقدمات هذه الحملة وبوادرها، بدأت في الظهور تدريجاً قبيل فترة، وبالتحديد بعدما تتالت الضربات الصاعقة على رأس الحزب، مما افقده رمزه الابرز والقسم الاكبر من قيادته السياسية والعسكرية. لكن (الحملة) تكثفت وتصاعدت اخيراً، وتحديداً بعد أن اتسعت مساحة التفاؤل بقرب استيلاد تسوية تحت الرعاية الأميركية تضع حداً للصراع الدائر.
وعلى اساس هذه المعطيات، كان لا بد للحزب ان ينطلق في رحلة مضادة وضع أحد قيادييه، محمود قماطي، عنواناً عريضاً لها وهو: أن “حزب الله” موجود سياسياً، وأن شيئاً لم يتغير لكي يشطب من المعادلة السياسية.
وإذا كان قماطي اراد أن يؤكد أن اقتلاع الحزب سياسياً غير وارد، فان احد نواب الحزب حسن فضل الله، استدرك ووسع المفهوم عندما قال في تصريح له اخيراً: نحن اليوم في حاجة الى نقاش داخلي ولسنا ضد فتح ابوابه بعد أن تضع الحرب اوزارها، لكن اهل المقاومة واهل الجنوب اليوم اكثر تمسكاً بهذه المقاومة، خصوصاً وأن الحرب لن تنتهي بفرض شروط العدو.
من هنا، يبدو جلياً ان الحزب وضع على رأس جدول اعماله في المقبل من الأيام، مهمة ان يدحض بأي شكل من الاشكال مقولة ان العدو قد حقق للتوّ نصراً عليه بدليل ان هذا العدو:
– لم يستطع ان يفرض عليه شرطه الاساسي وهو القضاء على منظومة الحزب العسكرية انفاذاً للشعار الذي رفعه قادة العدو السياسيين منهم والعسكريين منذ بدايات المواجهات قبل اكثر من عام، واعلنوا مراراً انه شرطهم لايقاف حربهم على لبنان.
– ان هذا العدو لم يستطع ان يفرض على لبنان معاهدة سلام من شأنها ان تنهي الصراع بين لبنان وإسرائيل. ووفق المعلومات المستقاة، فان الحزب بات يقيم على اعتقاد فحواه انه قد مهد لخارطة طريق الى موجبات وفرائض “اليوم التالي” من خلال خطوتين اجرائيتين:
- انه بادر اخيراً الى تظهير عنصر قوة ميداني كان يختزنه للحظة المناسبة، وتحديداً بعد ما دخلت المفاوضات غير المباشرة دائرة الجدية والاحتمال. وهذه الورقة التي تجلت بقصف تل ابيب بأنواع جديدة ومدمرة من الصواريخ الباليستية، وهو ما سمح للامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ان يتحدث بالتلويح في اطلالته الاخيرة عن معادلة قوامها: قصف وسط تل أبيب في مقابل قصف بيروت، فيما كان مقاتلو الحزب في الخطوط الامامية يبذلون جهوداً استثنائية لكي يمنعوا الاسرائيلي من تحقيق تقدم بري يعتد به ويمكن استثماره في جولات التفاوض.
- ان الحزب قدم عبر امينه العام الى الداخل اللبناني المحتقن عرضاً يصلح في نظره اساساً لترتيب الوضع الداخلي واخراجه من حال الاحتقان والتوتر، وهو يقوم على قواعد ثلاث:
- الاستعداد للتعاون مع مَن يرغب لاعادة بناء ما هدمته المواجهات.
- كما ابدى استعداده للمساهمة الفعالة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بطريقة دستورية تنهي الفراغ الحاصل منذ اكثر من عامين، وهو عرض وجد فيه كثر بأنه استعداد للبحث عن مرشح وسطي والتخلي عن مرشحه المعروف منذ زمن وهو سليمان فرنجية.
- ابداء الاستعداد للمضي قدماً تحت سقف اتفاق الطائف ومقتضياته، وهو ما يشكل ضمناً استرضاء للسنة الذين يسارعون دوماً الى التحذير من المساس بمندرجات هذا الاتفاق عند كل تطور او حدث مفصلي.
وهكذا، فان الحزب من خلال هذا العرض يكشف عن استعداده لاسترضاء افرقاء الداخل المتوجسين منه والمعادين له. وهو وان كان يعلم ان هذا الفريق لن يبدي تجاوباً عاجلاً، فالأكيد ان خطوة الحزب هذه هي جزء من خطته لامتصاص غضب الغاضبين منه وهم كثر.