كتب جورج حايك: قد تكون ديما صادق من أكثر الإعلاميات جرأة وشجاعة، وبرنامجها “كلام صادق” الذي تعرضه شاشة الـMTV تحول حدثاً ينتظره المشاهدون من أسبوع إلى آخر، فهي تقول ما لا يُقال عن المنظومة السياسية التي تتحكّم في حياة المواطنين وتجعل حياتهم بائسة، وخصوصاً “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”.
لكن من الطبيعي أن تصبح صادق نتيجة انتقاداتها المستمرة لهذه السلطة عرضة لملاحقات قضائية وربما بطرق غير قضائية، وكان آخرها حكماً قضائياً بسجنها لمدة سنة في الدعوى المقامة ضدّها من قبل “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل، بجرائم القدح والذم وإثارة النعرات الطائفية، مع إلزامها دفع 110 ملايين ليرة لبنانية كعطل وضرر لصالح “التيار”. علماً أن الدعوى رفعت عليها منذ حوالي 3 أعوام، بعد نشرها تغريدة وصفت فيها “التيار” بالعنصري والنازي، ربطاً بفيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر اعتداء مرافقي النائب السابق زياد أسود على شاب من مدينة طرابلس بالضرب في منطقة كسروان، مع توجيه عبارات طائفية إليه. علماً ان باسيل تباهى بأحد الفيديوهات بأنه عنصري!
مخالفتان كبيرتان انطوى عليهما هذا الحكم بحق صادق: الأول أنه صدر عن القضاء الجزائي بدل محكمة المطبوعات.
ثانياً، الحكم بالسجن على صادق وهي صحافية تخضع لقانون المطبوعات الذي عدّل عام 1994 بحيث الغى العقوبات السالبة للحرية مثل حبس الصحافي واستبدل هذه العقوبة بالغرامة المالية، وكذلك منع التوقيف الاحتياطي وتعطيل أي صحيفة. علماً أن ذريعة محامي “التيار” أن كلام صادق لم يكن عبر وسيلة اعلامية إنما عبر تغريدة في “تويتر” وهي لا تخضع لقانون المطبوعات، إلا أن صادق هي صحافية أولاً وآخراً، ويبدو أنها قررت الاستئناف في القضاء.
صحيح أن باسيل فاز في الدعوى وكان الحكم لمصلحته، لكن موجة التضامن السياسية والاعلامية والشعبية مع صادق كانت عارمة، وبدا الحكم القضائي كأنه سقطة شعبية جديدة لباسيل المكروه شعبياً!
وهذه ليست المرة الأولى التي تتصادم فيها صادق مع التيار العوني، إذ أدعت عليها سابقاً النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي غادة عون كمقدمة لبرنامج “حكي صادق” بتهمة اثارة النعرات الوطنية والمذهبية والحض على النزاع بين عناصر الأمة والاساءة المتكررة لفخامة رئيس الجمهورية ميشال عون.
واللافت أن الفقرة “ج” في الدستور تنص على أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
وأكثر من ذلك، يتميّز لبنان عن العديد من الدول، وعلى وجه التحديد دول الشرق، باعتباره متقدماً عليها في ممارسة “الحريّة” سواء حرية الرأي او التعبير وما الى ذلك، لكن هذا لا يعني ان مبدأ الحرية معمول به بشكل مطلق، إذ ان هذه الحريّة ليست كاملة بل هي منقوصة، وتخضع في حالات عديدة الى التقييد بضوابط والانتهاكات الصارخة. فانتقاد بعض المسؤولين أو “الزعماء” في لبنان أصبح كفيلاً باستدراجك إلى أروقة أقسام التحقيق الذي قد يطول لبضع ساعات وربما يصل إلى أيام، مع العلم أن ممارسة حرية التعبير حق مشروع عززته مواقع التواصل من خلال اتخاذ المواقف وعرض الآراء حيال المواضيع والقضايا العامة في إطار مراعاة القانون. فالسلطات تعاقب المنتقدين بتهمة “القدح والذم”، التي استطاعت من خلالها ترسيخ نمط جديد مقلق باعتقال من ينتقد المسؤولين الحكوميين من صحافيين وناشطين إلكترونيين.
ولقد شهد العهد العوني المُنتهي تقديم اكبر عدد من الدعاوى ضد الصحافة والصحافيين وفي تُهمٌ مُختلفة ، كما انه في العام الماضي ٢٠٢٢ شهد اكبر عدد من الدعاوى والاعتداء على الصحافة والصحافيين بتاريخ لبنان، من خلال السيلٍ الكبير من الدعاوى والتي بلغ عددها ١١٦ إدعاء واعتداء ومنع من النشر، على صحافيين ومواقع إعلامية الكترونية.
سجل لبنان في التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2022 المرتبة 130 بين 180 دولة، ليتراجع 23 مرتبة بعدما كان في الـ 107 العام الماضي، وذلك حسب التقرير الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود”. تراجع الصحافة في لبنان “بلا حدود” خلال عام واحد فقط، لا يعتبر مبشّراً.
ولم تكتف منظومة الحكم بهذا القدر من التضييق على الاعلاميين وغيرهم من شرائح المُجتمع في مُحاولة فاضحة لكم الافواه، الى ان دخلت نقابة المحامين على هذا الخط، وكأن احداً ما يُحرك خيوط تضييق الخناق على المٌجتمع وطبقاته وصولاً الى نقابة المحاماة .
ديما صادق صفر خوف، هي الصحافية الثائرة الأكثر جرأة في لبنان بجدارة، ولها قوة مؤثرة في الشارع اللبناني. ويكفي أنها خلال 20 دقيقة من برنامجها تفضح أكاذيب ونفاق الطبقة الحاكمة وتعرضهم للحقائق وتدينهم بألسنتهم. وإذا ربح جبران باسيل ضدها دعوى بالباطل، فهي صاحبة حق وستربح عليه في الف جولة وجولة.