كتبت استال خليل: لم تمر حادثة تعنيف الأطفال في إحدى الحضانات في منطقة الجديدة مرور الكرام، بل رافقها غضب لبناني عارم وتحرك قضائي وأمني نادراً ما يحدث بهذه السرعة.
الحادثة كان وقعها صعباً جداً على الأطفال الذين منعتهم سنهم من التعبير عن خوفهم ووجعهم النفسي والجسدي، وعلى أهاليهم الذين شاهدوا فيديوهات أطفالهم المعنفين منتشرة في كل مكان.
بحسب الأخصائية النفسية ربى بشارة، ان “الأهالي استيقظوا على صدمة كبرى تتطلب العلاج لدى أخصائيين نفسيين ليتمكنوا من معالجة أطفالهم من آثار الصدمة الذين تعرضوا لها، وليتمكنوا من حمايتهم واحتضانهم واحتوائهم بأفضل طريقة ممكنة”، مشيرة إلى أن “شفاء الأطفال من ما تعرضوا له قد لا يكون كاملاً، لأن الصدمة كانت كبيرة جداً بالنسبة الى عمرهم الصغير”.
وقالت في حديث عبر “أخباركم أخبارنا”: “الذاكرة تحفظ الأذى عند الذين يواجهه الأطفال في سن مبكرة، وقادرة على أن تصيبهم باضطراب ذهني ونفسي وانفعالي وشعور بالخوف والإضطهاد، إن لم يتم التعامل مع حالتهم كما يجب”.
وتابعت: “نتفهم الظروف التي تدفعهم لوضع أطفالهم في الحضانات من أجل العمل، لكن صحة الولد النفسية ثمنها أغلى من ذلك بكثير. لذا يجب محاولة منع الأزمة الإقتصادية من التسبب بأزمات نفسية، وذلك ممكن في ظل تماسك معظم العائلات في المجتمع اللبناني رغم الظروف الصعبة وتعاونها في الإستنهاض على الصعيد المادي. على الأمهات أن يحاولوا عدم ترك الأطفال من عمر صفر حتى العام والنصف أو العامين أي في مرحلة الأمومة”.
ولفتت بشارة إلى أن “المطلوب من المعنيين بقانون العمل في لبنان تعديل المدة الزمنية لفرصة الأمومة، لأن الولد في عمر صغير يكون في مرحلة تكوين هوية “الأنا”، وخلالها يبدأ بالتعرف على نفسه من خلال التواصل مع الآخر، قبل اللغة التي تكون بسيطة وسطحية في بادئ الأمر. وهذه الهوية تنتقل رمزياً من الأم من خلال التواصل العاطفي، لكن الطفل لا يمكن أن يعبر أو يدافع عن نفسه في المراحل الأولى، لذلك يكون حجم الأذية مضاعفاً على تكوين شخصيته في حال تعرضه لتعنيف مبرح كما حصل في هذه الحضانة”.
كما أكدت أن “دور الأب هو أساسي جداً في هذه المرحلة، لأنه يشكل العمود الفقري في العلاقات مع المجتمع، ووجوده يلعب دور الأمان بالنسبة للطفل، وهو داعم نفسي واجتماعي مهم له”.
أما عن المربية، فقالت بشارة: “ما قامت به هو ناتج من سوء إدراك وفهم وتربية، وقد تكون وجدت نفسها في مكان من دون رقابة أو رادع، وليست المرة الأولى التي نصادف فيها حالات مماثلة، ولو انه بشكل عام من النادر أن يتعرض طفل بهذه السن الصغيرة للتعنيف، لكن ذلك بات يحدث في مجتمعنا”.
ولفتت إلى أن “المربية لا يجب أن تكون في موقع تعرض فيه الأطفال للتعنيف، لكن من الواضح أنها تعاني من إضطراب نفسي وذهني، وعلاجه يتطلب الوقت ويدخل في مرحلة إعادة تأهيل إلا أنه ليس مستحيلا”.
الأسباب التي أوصلتها إلى هذا الحالة بحسب بشارة، قد تكون عديدة، “ربما تعرضت بدورها للتعنيف في صغرها، أو تعرضت لسوء المعاملة من قبل أهلها، كما يمكن ألا يكون هناك من سبب واضح يذكر. ومن المرجح أن تكون هي بدورها نتيجة مجتمع مهمل لم يعطها ما يجب أن تأخذه لتكون شخصية ممكن أن تتعامل وتتواصل مع الآخر، وبالتالي فهي أيضاً ضحية، لكن قررت عكس الأدوار والإنتقال من دور الضحية إلى دور الجلاد”.
أما عن دور المجتمع، فقالت بشارة: “هو كبير جداً ويجب أن يكون على الصعيدين النفسي والتوعوي على مستوى المناطق والبلديات والمؤسسات التربوية، ويجب فرض تعليم علم النفس حتى على العائلات في المناطق اللبنانية، وأن تنظم البلديات تجمعات لتلقين الأهالي علم النفس وعلوم السلوكيات، وهذا الأمر ملح لأن الخطر موجود في كل مكان، وفي المجتمع الكبير أكثر من المدارس والحضانات”.