كتب ميشال ن. أبو نجم لـ ” أخباركم – أخبارنا”
نحن اليوم كلبنانيين في واحدةٍ من أدق اللحظات وأخطرها. هناك تداعيات لحرب كبرى لم يستفق لبنان بعد من هول صدماتها، لكنّ الأزمات تخلق فرصاً، إذا لم نُهدرها مجدداً في رفض النقد الذاتي والتقييم. ذلك أنّ صراعاً حول السرديات بين اللبنانيين، سيعود ليذرّ بقرنه من جديد وفي شكلٍ أكثر حدةً، طالما أن “النصر” له تفسيرات مختلفة.
في مقال رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد الثلثاء في “الأخبار” ما يعلن تكريس هذا الصراع، وبمعنى آخر، “بقاء القديم على قدمه”. الخطر الإسرائيلي لا يواجه إلا بالمعادلة التقليدية المتكررة كطرقة عصا على الرؤوس “جيش – شعب – مقاومة”. هنا يدخل الخلاف حول تفسير “النصر”، لأن حزب الله يربطه بعدم قدرة إسرائيل وبنيامين نتنياهو بالتحديد، على تدمير قدرة المقاومة العسكرية في شكلٍ نهائي والعجز عن احتلال أي بلدة في الجنوب في شكل نهائي، وأيضاً باستمرار حزب الله بضرب إسرائيل وتل أبيب، في سيناريو مشابه لمسار حرب تموز 2006. ومقال رعد يعني أيضاً، استباقاً لنقاش لبناني يدرك فيها “الحزب” وقيادته أنه سيحمل معه الكثير من الحجج القوية على أن “حرب الإسناد” لغزة لم تكن ذات فائدة تذكر للبنان. أضِف إلى ذلك، الأسئلة الكثيرة والنقاش المتصاعد في داخل البيئة الشيعية نفسها حول مدى فعالية “وحدة الساحات” والدعم الإيراني، بعدما أدّت الموجة الأولى للحرب إلى خسائر كبرى لا تُعوض، في مقدمتها استشهاد السيد حسن نصرالله.
السردية المقابلة لخصوم “الحزب”، تصاعدت في ظل الحرب حاملة معها الكثير من الأوهام حول المدى الذي ستتخذه العمليات العسكرية، وبالتالي الرهان على القضاء على الجسم العسكري في شكلٍ نهائي. هذه السردية، ستصطدم بواقع ما فرضه حزب الله من معادلة خاصة في البر، وبالمصالح الأميركية خاصةً التي لا تقيم وزناً لرهانات القوى اللبنانية، ولا تعترف إلا بالوقائع البراغماتية إلى أقصى حدود. وحقيقة الأمور أن فريق القوات اللبنانية والكتائب وغيرهم من قوى كامنة في البيئتين السنية والدرزية، استعجلت نهاية حزب الله بدليل تصريح رئيس “القوات” سمير جعجع حول انتخاب رئيس من دون النوبا الشيعة! ونتيجة للإختلاف حول تفسير “النصر”، فإنَ النزاع في الخطاب الإعلامي والسياسي سيتصاعد نتيجة هذا العجز المستحكم لدى القوى السياسية اللبنانية في شكلٍ عام.
هذا الصراع سيستخدم كل ما قيل وأثير في خلال الحرب، والذي يحمل معه الكثير من التخوين وتهم الفشل وضرب المصلحة اللبنانية، والعودة إلى تلك النغمة البشعة حول “بيشبهنا/ما بيشبهنا”، والعمالة للأميركيين والإيرانيين والإسرائيليين و”خدمة العدو” وما شابه. لكن الأساس يبقى في مكان مختلف ومتمايز.
والسؤال الأساسي مرتبط بالنقد الذاتي والمراجعة، وهذا ما يمكن أن يقود إلى نتيجة متمايزة عن الصراع التقليدي العبثي. فمصلحة لبنان الذاتية الصرفة، تنسف “حرب الإسناد” من أساسها، لأنها لم تحقق أي هدف لبناني، لا بل أن النتيجة كانت قاسية، سواء على مستوى الخسارة البشرية أو المادية. وهذه المصلحة أيضاً، يجب ألا تقود إلى السعي لإزالة قدرة لبنانية لمواجهة إسرائيل لدى اعتدائها على لبنان.
والحلقة المفقودة هنا، هي الدولة على الرغم من كل ضعفها البنيوي. فهي تمثل المشترك بين اللبنانيين والذي يجب أن يقود مسألة الحرب لا التفرد بقرارها كما حصل بعد “7 أكتوبر”، والجمع بين كل هذه المقدرات، بالتوازي مع تفاهمات دولية. فإذا كانت “قوة لبنان في ضعفه” غير صالحة للدفاع عن لبنان، فإن “القوة الفائضة” بدعم إيراني لم تحمِ لبنان أيضاً ولم تردع إسرائيل عن الهجوم. ومن هنا، خلاصة أن سلاح حزب الله لم تعد المعادلات التقليدية على مثال “شعب – جيش – مقاومة” بقادرة على حمايته فضلاً عن حماية لبنان، بل يتطلب نقاشاً من نوع آخر.
نقاشٌ يحتاج إلى جسر جامع بين اللبنانيين، وهذا ما يعمل عليه التيار الوطني الحر، الذي قدّم سرديته الخاصة، وسيعمل على تكثيفها في الآتي من الأيام…