كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
ماذا تعني مهلة الـ 60 يوماً الذي اصرّت اسرائيل على ادراجها في متن اتفاق الهدنة بينها وبين لبنان، الحديث الولادة والذي بدأ سريانه قبيل ايام؟ وهل أن اشتراط تل ابيب لهذه المدة لكي تنجز بعدها انسحابها النهائي من الأراضي اللبنانية التي تقدمت اليها على مراحل، ومن خلال هجمات هو متعددة خلال الشهرين الماضيين “ممسك” يمكن للحكومة الاسرائيلية أن تستخدمه اذا ما شاءت التملص والتهرب من موجبات الاتفاق الوليد لتوّه ومن ثم تستأنف حربها على لبنان؟
يؤكد استاذ العلوم السياسية الدكتور سامي نادر أن مهلة الـ 60 يوماً التي اصرت اسرائيل على تضمينها الاتفاق هي فترة زمنية طبيعية تلي حرباً كالتي حدثت، وتسبق اتفاق تهدئة كالذي يفترض انه بدأ سريانه خلال الساعات الماضية.
وقال: لم يكن مفاجئاً ان تطلب اسرائيل مهلة من هذا النوع قبل ان تبدأ في رحلة تثبيت اتفاق وقف النار، فهذا مطلوب لكي تتأكد من أن بند انسحاب مقاتلي “حزب الله” من المنطقة الحدودية (جنوب الليطاني) قد تحقق، وان بند انتشار قوة الجيش اللبناني المعززة بمؤازرة “اليونيفيل” قد انجز ايضاً.
وهنا يستطرد الدكتور نادر: يتعين ان نلتفت الى انه بعد هدنة الـ 60 يوماً، وبعد التيقن من انجاز بنود الاتفاق، تأتي عملية شاقة وصعبة وهي عملية الترسيم الحدودي البري، والذي نعلم انه عالق منذ زمن وانه أمر مهم لإسرائيل، وانها هي من يماطل لحل هذه الاشكالية الحدودية.
وزاد نادر: ثمة واقعة اخرى تجعل لهدنة الـ 60 يوماً اهمية وتتجسد في الوصف الذي اعطاه الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن للاتفاق عندما قال عنه انه “اتفاق دائم” وليس عابراً، او انه ليس هدنة مؤقتة يسمح بعدها بالعودة الى جولات عنف جديدة.
وعما اذا كان اصرار اسرائيل على هذه المهلة يستبطن مخاطر؟ اجاب نادر: مبدئياً يفترض ان يخلو هذا الامر من اي مخاطر، لكن ما نخشاه ان تأتي المخاطر من مكان آخر. إذ أنه مثلاً لو حدثت مواجهة بين ايران وإسرائيل، فهذا من شأنه ان يمهد للاطاحة بالاتفاق خصوصاً اذا ما سارع “حزب الله” الى دعم طهران، فضلاً عن ان احتدام المشاكل والازمات في الداخل الاسرائيلي خصوصاً اذا ما اصر سكان مستوطنات الشمال على عدم العودة الى بيوتهم خشية من “نيران الحزب”، من شأنه ايضاً ان يعزز من احتمال ان يلجأ نتنياهو الى التصعيد لكي يتهرب من هذا المأزق.
وفي المبدأ، يضيف نادر: نرجح ان الاتفاق وضع لينفذ ويؤدي غرضه وينهي المأساة، وليس ليتم الانقضاض عليه.
اما استاذ القانون الدكتور عادل يمين، فيقول ان الاسرائيلي اراد من خلال اصراره على مهلة الـ 60 يوماً ان يضع اتفاقه غير المباشر مع لبنان تحت المجهر، ولكي يضمن تنفيذاً تاماً لمندرجاته.
وبمعنى آخر، أصر الاسرائيلي على بند الـ 60 يوماً لكي يتأكد من التزام الجانب اللبناني بتنفيذ مضامين القرار 1701 ويتحقق من ان “حزب الله” لم يلتف بطريقة معينة على هذا الاتفاق ومندرجاته. واستطراداً، شاء الاسرائيلي من هذه المهلة ان يحتفظ بحق الفعل والرد امام الاميركي اذا ما استشعر بأن ثمة تهديداً له.
ويستطرد الدكتور يمين ان الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب سبق له واشار الى أن “الاتفاق انجز لأهداف استراتيجية”، ولم يشأ الافصاح عن تلك الأهداف، لكنه أراد أن يعطيها صفة الاهمية الكبرى.
ورداً على سؤال، رأى يمين أن الاسرائيلي لم يعلن قبوله بالاتفاق الا بعدما عجز عن احداث خرق ميداني بري يعتد به في المناطق الامامية من الجنوب، وبعدما تيقن بأن لدى الحزب قدرات كانت خارج تقديراته وحساباته، وهذا ما تجلى يوم الاحد الماضي.
ويخلص يمين الى استنتاج فحواه، انه ليس من الضروري ان تكون مهلة الـ 60 يوماً تستبطن مخاطر، او أن تكون وسيلة لاسرائيل لكي تتملص من الاتفاق بعدما سلمت بوقف النار، فضلاً عن أن الرئيس الاميركي المنتخب والمعروف بحزمه افهم من يعنيهم الأمر بأنه يريد ان “يقلّع” عهده بطيّ صفحة الحرب بين لبنان وإسرائيل، لكي يتفرغ لمعالجة مشاكل اخرى اكثر اهمية لبلاده مثل الحرب الأوكرانية. فضلاً عن أن الرئيس الحالي بايدن يريد ان ينتهي عهده باطفاء حرب اندلعت نيرانها ابان ولايته.