السبت, يوليو 19, 2025
27.4 C
Beirut

ليلة ” البربارة “!

نشرت في

أخباركم – أخبارنا


كتب الفنان مارسيل خليفة عبر صفحتنه للتواصل الاجتماعي فيسبوك:

كنّا ننتظر تلك الليلة في الرابع من كانون الأول من كل سنة لنتنكّر :
وجوهاً من الكرتون نشتريها من دكّان ” يوسف سليمان ” بالساحة وثياباً باليّة نخرجها من الصناديق العتيقة ونطوف على منازل الضيعة متنكرين مرتدين الأقنعة والملابس الرثّة . نسير زمرة من الأولاد مطبلّين ومزمرّين ، نرقص على مداخل البيوت او على عتاباتها او في داخلها رقصات ساخرة على صوت قرع الطبول منشدين ” حالجة بربارة ” فيعود علينا أهل البيت بالحبوب والنقول والفاكهة المجفّفة والحلويات وأحياناً ينقدون الطائفين قروشاً ، وكنّا نأكل ” القطايف ” و ” العوّامات ” و ” المشَبَّكْ ” و ” الزلابية ” إضافة إلى القمح المسلوق المزيّن باللوز والجوز والصنوبر .
كنّا ننتظر عيد القديسة بربارة الشهيدة التي أبدت بطولة نادرة مدافعة عن إيمانها ضد الرومان وضد أبيها وتنكرّت وهربت من بطش هؤلاء . ننتظر ليلة العيد وعلى أحّر من الجمر لنتحرّر من وجوهنا ومن قيودنا .
أتذكّر كيف كنت آخذ طريقي نحو منزل آل ” العِرم ” أمشي متلمسّا بثيابي الفضفاضة وبوجهي الآخر قليل من النور ينفذ في بيت الجيران . اقترب بصعوبة وخفق قلبي يتسارع من الليلة المظلمة . أبتلع لعابي ، أرتجف واصرف بأسناني ، أضرب كيفما أشاء على طبلة معلقّة بخيط في كتفي . أقرع الباب . أدخل . أدور دورة كاملة في غرفة الاستقبال . آخذ حبّة حلوى – العيد ثمّ أنتقل إلى منزل آخر مع أقدام معتادة تعرف الطريق غيباً .
صغار مثلي وكبار يغيبون في الظلام وكنّا نسمع وقع أقدامنا ونحن نبتعد عن بعضنا البعض . احياناً كنّا نشكّلً مجموعة ونمشي سويّة وندور في الحيّ متنكرين بثياب النساء والرجال . أقرع على الطبلة طيلة الليل ورفاقي يصفقون ويترنحون وسرعان ما تتحلّق حولنا الجموع ويأخذون في الغناء معنا فتتضخّم المجموعة الصوتيّة وتتعالى الأهازيج . وكان رفيقنا ” طنّوس ” يقود تلك الجوقة بعدما راح الطبّالون يطبلون على وقع المجموعة . وكان نباح الكلاب القلقة من الأصوات يرتفع كلما اقتربنا من صيحات الفرح في كل دار وصياح الديكة أحسّو بالفجر قبل ان يطّل . وتظل تسمع دوي الطبلات حتى بعد منتصف الليل . مجموعتنا يقظة وتظل تتسكّع في أحياء البلدة والناس نيام في أسرّتهم .
نمّر تحت بيت الشمالي الواطي والملاصق للطريق العام ونرى من الطاقة الصغيرة ضوء قنديل خافت ونسمع زوجة ” رفُول ” تئن وتتأفّف من شخير زوجها . نتطلّع الى السماء لا بد تلك النجمة الكبيرة البيضاء المتوهجّة هي نجمة الصباح .
فرح مجنون كان ينفذ في ليلة ” البسيّة ” في جنّة الضيعة والتي استدرجت ناساً كثراً كمشاركين حالمين ، كعشّاق أبديين ، كأرواح شاردة . يبحثون عن شيء آخر غير يقيناتهم ، يبحثون عن ذواتهم في ذوات أخرى .
ولمّا تزل ذاكرتي معطرّة بطلائع الأهازيج والاغاني المضفورة بالفرح وآه لهذا الفرح الذي ما زال مقامه نديّاً .
وكم مشينا سويّة في ليلة مشتعلة بالغناء والمزاح والحب .
نبحث اليوم عن نجمة الفرح الضائعة ولا نراها وإن عالمنا فقد بفقدانها فرصته الوحيدة .
واليوم لن يقوى أحد على إخفاء الألم عنّا فهو مرئي ، ملموس ، مسموع كانكسار المكان المدوّي . نراه ينهبنا كل شيء دفعة واحدة وينسل منّا كنصل السكين جالساً قبالتنا شامتاً ، يسامرنا ويعوي في ليلة ” البسيّة “
هل انتهت الرحلة أم ابتدأت ؟! هل افترق المكان عن صورته في المخيلّة ؟! لا بُدّ من وثبة روح جريئة رغم ما نمر به من حروب تأكل الأخضر واليابس .
انتحي ركناً قصيّاً من ذاكرة طفولتي واكتبها موسيقى لأربعة اعواد استعيد فيها أهازيج ليلة البسيّة وما اجمل الدنيا تحت سقف الموسيقى . لا أعرف إذا كنت الصدى لما قال الوتر في خلوته ؟ أم كنت أدوّن ما يُنسى سُدى ؟

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

More like this

سميح شقير: ما يحدث في السويداء ليس فرض هيبة الدولة… بل مجزرة ذات طابع طائفي مقيت

في موقف صريح وحازم، عبّر الفنان سميح شقير عن قلقه العميق من المجريات الدموية...

لا بارك الله فيك يا برّاك!

كتب غسان صليبي لا بارك الله فيكيا برّاكيا ابن البلد،تهددنا ببلد آخرإن لم نحسن بناء...

تحذير من تأثير حقن التخسيس : تراجع في الرغبة الجنسية

أخباركم - أخبارناحذّر خبراء صحيون من تأثير جانبي غير متوقع بدأ يظهر لدى بعض...