كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا”

مع سقوط نظام بشار الأسد واحتدام الصراعات الإقليمية والدولية على الأراضي السورية، تقف البلاد أمام مفترق طرق تاريخي. بين الآمال في بناء دولة ديمقراطية تعددية والتخوفات من سيناريو التقسيم، تتشابك الأوضاع السياسية والميدانية بشكل يعيد تشكيل مستقبل سوريا. في ظل سيطرة متنامية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي، ونفوذ هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) في الشمال الغربي، بالإضافة إلى التوغلات الإسرائيلية في الجنوب، تبدو احتمالية التقسيم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

الواقع الميداني: خرائط السيطرة

1. شمال شرق سوريا: قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
   • الموقع والنفوذ:
   تسيطر قسد، المدعومة من الولايات المتحدة، على معظم المناطق الغنية بالنفط والغاز في شمال شرق سوريا، بما في ذلك محافظة الحسكة ومدينة الرقة.
   • الأهمية الاستراتيجية:
   تشكل هذه المناطق العمود الفقري للاقتصاد السوري بسبب ثرواتها النفطية والزراعية.
   • الأهداف السياسية:
   تسعى قسد إلى تأسيس نظام حكم ذاتي ضمن دولة فدرالية سورية، إلا أن وجودها يثير مخاوف تركيا، التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
2. شمال غرب سوريا: هيئة تحرير الشام
   • الموقع والنفوذ:
   تسيطر هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب واللاذقية، وهي مناطق مكتظة بالسكان وتشكل ملاذًا للمعارضة المسلحة.
   • الدور الإقليمي:
   تتلقى الهيئة دعمًا غير مباشر من تركيا، التي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة كجزء من سياستها الإقليمية.
3. الجنوب السوري: التوغلات الإسرائيلية
   • الموقع والنفوذ:
   نفذت إسرائيل عمليات عسكرية موسعة في الجنوب السوري، خاصة في ريف درعا والقنيطرة. كما تجاوزت القوات الإسرائيلية المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان ووصلت إلى منطقة قطنا.
   • الأهداف الإسرائيلية:
   تهدف إسرائيل إلى منع تموضع إيران وحزب الله في الجنوب السوري، وضمان منطقة عازلة آمنة على حدودها.
4. وسط سوريا: انهيار النظام
   • دمشق وحماة:
   رغم أن النظام السوري فقد السيطرة على معظم البلاد، إلا أن العاصمة دمشق وبعض المدن المركزية مثل حماة لا تزال تواجه صراعًا مستمرًا بين الفصائل المتنافسة.
   • الفراغ الأمني:
   ترك انسحاب النظام فراغًا ملحوظًا، مما أدى إلى اشتداد التنافس بين القوى المحلية والدولية.

قراءة سياسية للمشهد السوري

1. سيناريو الدولة الديمقراطية التعددية
   • المقومات:
   • وجود رغبة شعبية واسعة لإعادة بناء سوريا كدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والتعددية.
   • تزايد الجهود الدولية لتحقيق الاستقرار من خلال عملية انتقالية شاملة.
   • التحديات:
   • الانقسامات العميقة بين الفصائل المسلحة.
   • عدم وجود قيادة موحدة للمعارضة قادرة على تمثيل جميع مكونات الشعب السوري.
2. سيناريو التقسيم
   • المؤشرات الداعمة للتقسيم:
   • سيطرة قسد على المناطق الشمالية الشرقية ورغبتها في الحكم الذاتي.
   • نفوذ هيئة تحرير الشام في إدلب، مما يعزز سيناريو “الإمارة الإسلامية”.
   • توغل إسرائيل في الجنوب وتحقيق أهدافها الأمنية.
   • المخاطر:
   • تقسيم سوريا يعني تعميق المعاناة الإنسانية وإطالة أمد الصراع.
   • فقدان الهوية الوطنية الموحدة وزيادة التدخلات الإقليمية.

التحديات والفرص

1. التحديات
   • التدخلات الإقليمية والدولية:
   النزاعات بين القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار.
   • الفراغ الأمني:
   انهيار النظام ترك فراغًا سياسيًا وأمنيًا قد يؤدي إلى صراعات جديدة.
2. الفرص
   • المصالحة الوطنية:
   بناء سوريا جديدة يتطلب التركيز على المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية.
   • دور المجتمع الدولي:
   يمكن للمجتمع الدولي دعم مبادرات إعادة الإعمار وتعزيز الحوار بين جميع الأطراف.

سوريا تقف اليوم عند مفترق طرق بين إعادة بناء دولة ديمقراطية تعددية تحترم حقوق مواطنيها، وبين التقسيم الذي تفرضه الوقائع الميدانية. على الرغم من التعقيدات الكبيرة، يبقى الحل السياسي الشامل هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا من التقسيم وإعادة بناء هويتها الوطنية. يحتاج السوريون والمجتمع الدولي إلى العمل معًا لضمان أن تكون سوريا الجديدة دولة موحدة تنعم بالسلام والاستقرار.