أخباركم ــــــ أخبارنا
يعتبر سجن “بالونة”، ثاني أفظع السجون السورية بعد سجن “صيدنايا” في ريف دمشق السيء الذكر. وهو يقع على طريق دمشق الدولي، خلف جامعة البعث في مدينة حمص. ويضم السجن أربعة طوابق، كان النظام الأسدي يزج فيه ما يقارب 4500 سجين وسجينة، بمعدل 113 فرداً بكل زنزانة.
وهو بالأصل كان مخصصاً لمحاسبة العسكريين والضباط حصراً، إلا أنه أصبح بعد الثورة المحطة الرئيسية التي لا بد أن يمر بها أي معتقل قبل نقله إلى سجن صيدنايا، واستخدم في بداية الثورة لمعاقبة من انشق عن الجيش السوري ورفض الانصياع للأوامر.
الغرف المنفردة في السجن كما كشف تحقيق صحفي مصور لــ “العربية” و”الحدث” لا تتجاوز مساحتها أكثر من مترين وبلا ضوء أو فتحات تنفس أو تهوية، أي أنها لا تتناسب مع الطبيعة البشرية.
ويشير إلى أن ملفات كثيرة تضم تفاصيل عن المسجونين، تبين أن من بين التهم رفض إطلاق النار على المتظاهرين، وأخرى الانتماء “لعصابة أشرار”، وهناك أيضا من هرب من معارك ضارية ولم يترك نفسه للموت، وغيرها الكثير. ويقول: “كذلك عثرنا أثناء الجولة على غرف للضباط والعساكر، ومطبخهم أيضاً، إذ تركت حبات البطاطا المسلوقة كما هي هناك بعد فرارهم بحكم المعارك.”
وينقل عن الشاب محمد أحمد حسين، ابن الـ22 ربيعاً، ليشرح لنا ما عاشه في هذا المكان المرعب، قوله إنه لحسن حظه لم يلبث في سجن البالونة أكثر من شهر واحد، إذ أتت عملية “ردع العدوان” وأخرجته.
وأضاف أن تهمته كانت الانشقاق من الجيش، إذ هرب من إحدى المعارك ورفض القتال. وقال: “أن المساجين كانوا يتناولون رغيف خبز واحدا في الصباح ومثله عند المساء”، موضحا أنهم قد “يحظون بحبة بطاطا في حال لم تسرق منهم، ولم تكن بشكل يومي”.
وذكر إنه قبيل وصول معارك ردع العدوان مدينة حمص بيوم واحد، أخرجهم السجانون وطلبوا من المعتقلين حمل السلاح للانضمام للجيش والقتال.
لكن الأمر استغرق ساعات فقط، ولم يعطوا أوامر بدخول المعارك وبقوا في سجونهم حتى تم تحريرهم من قبل إدارة العمليات بعد السيطرة على حمص.
وعن أساليب التعذيب قال: “تختلف من معتقل لآخر، وفي كثير من الأحيان كانت تخضع لمزاح السجان”.
وكان عدد المعتقلين فيه يبلغ نحو 4500، وقد يصل إلى أضعاف هذا الرقم حين يتم تحويل معتقلين من سجن صيدنايا إليه، بحسب اللجنة السورية للتوثيق. وقد يصل إلى 10 آلاف معتقل، كما تحدثت اللجنة السورية للمعتقلين، في حين وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما يقارب 645 حالة تحدثت عن التعذيب وسوء التغذية في السجن.
ماذا قال مدير رابطة سجن صيدنايا؟
من جهة أخرى، وحول سجن صيدنايا أكد مدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا بريف دمشق، دياب سرية، أن عدد المعتقلين الذين تم تحريرهم على يد مقتحمي السجن والأهالي عقب سقوط المدينة بيد فصائل المعارضة المسلحة، بلغ نحو 2000 معتقل، خرج آخرهم يوم الاثنين الماضي.
ونفى سرية المعتقل السابق في حديث صحفي وهو ما أشيع عبر تقارير صحفية وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن وجود طوابق وغرف سرية في السجن بداخلها آلاف السجناء لم يتم الوصول إليهم خلال عمليات البحث. وأشار إلى أن الرابطة لديها أسماء موثقة بالضباط والعناصر المسؤولين عن السجن سيئ الصيت، وإلى ضرورة أن تتسلم هذه الأسماء جهة قانونية لملاحقتهم ومحاسبتهم، رغم هروبهم.
وذكر إنه يمكن القول إن آخر معتقل تم تحريره من سجن صيدنايا كان ظهر الاثنين 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وأوضح إنه كان هناك قبو تحت الكتلة “أ – يسار” تم النزول إليه بعد ساعة من محاولات الأهالي والمقتحمين، حيث تم تحرير المئات من المعتقلين داخله.
كما نفى ما أشيع عن أن المكبس المكتشف داخل السجن هو أداة تعذيب وطحن عظام المعتقلين، وإنما نؤكد أنه كان يستخدم لضغط ألواح خشب “إم دي إف” (MDF) خلال عمليات صيانة أثاث غرف الإدارة والضباط في السجن.
وأوضح إنه لا توجد حتى اللحظة جهة مركزية لديها كافة أسماء المعتقلين والمفقودين في السجون السورية التي كانت تابعة للنظام المخلوع، بحيث يمكن للأهالي التوجه إليها للحصول على معلومات دقيقة.
لدينا توثيقات وأسماء معتقلين ومفقودين داخل السجن قدمها لنا الأهالي في وقت سابق، وهم على دراية بتفاصيل ومكان اعتقال أبنائهم، وعدا ذلك تبقى باقي الأسر هائمة على وجهها دون الوصول لأي معلومات.
وأوضح أن قسم من السجانين هرب إلى لبنان وآخرون إلى العراق، ومن بينهم من لا يزال متخفيا داخل سوريا، ونحن لا نزال نراقب أي تحركات لهؤلاء الضباط والعناصر، ولدينا أسماء لأكثر من 100 شخص ضمن عناصر حماية السجن.
واوضح نحتاج إلى هيئة أو جهة حكومة تستلم هذه القائمة لإجراء محاكمات عادلة له”.
القضاء الأميركي
الى ذلك، أعلن القضاء الفدرالي الأميركي توجيه تهمة التعذيب إلى رجل سوري مسجون في الولايات المتحدة وكان مديرا لأحد سجون دمشق بين عامي 2005 و2008، في خطوة تأتي بعد أيام على سقوط الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقالت وزارة العدل الأميركية إن سمير عثمان الشيخ (72 عاما) كان مسؤولا عن سجن عدرا -الاسم الذي يشتهر به السجن- خلال تلك الفترة، وتردد أنه كان يعطي أوامر لمرؤوسيه بإلحاق ألم ومعاناة جسدية ونفسية شديدة بالمعتقلين السياسيين وغيرهم.وأضافت في بيان أنه كان ينخرط شخصيا في بعض الأحيان في مثل هذه الأعمال.
كذلك، يُتّهم الشيخ بإرسال سجناء إلى جناح خاص في هذا السجن حيث عُلّقوا في السقف وضُربوا في الوقت نفسه، أو رُبطوا على “الكرسي الألماني” وهو أداة تعذيب تؤدي إلى تمزيق أطراف السجين.
وقالت الوزارة إن التعذيب كان يهدف إلى ردع المعارضة المناهضة لنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وكان الشيخ، الذي شغل عدة مناصب في الأجهزة الأمنية السورية، مرتبطا بحزب البعث السوري وعينه الأسد محافظا لدير الزور عام 2011.
وبعد وصوله إلى الولايات المتحدة عام 2020 تقدم بطلب للحصول على الجنسية الأميركية عام 2023، وقد أوقِف ووجّه إليه الاتهام في لوس أنجلوس في يوليو/تموز 2024 لكذبه على السلطات الأميركية بشأن ماضيه من أجل الحصول على تصريح إقامة.
وفي حال إدانته بتهمة التعذيب، يمكن أن يُحكم على سمير عثمان الشيخ بالسجن لعقود من الزمن.