كتب ميشال ن. أبو نجم: يخوض التيار الوطني الحر الجولات المستجدة من المواجهة مع الدول الغربية الضاغطة لتوطين النازحين السوريين، أكثر ثقة بخطواته ومواقفه. ذلك أنه إزاء الفجاجة التي تتصرف بها الدول الأوروبية ومؤسساتها السياسية، يواصل “التيار” خطواته السياسية لا بل تحركاته الميدانية الرافضة والتي تذكِّر بمرحلة مواجهة السيطرة السورية على لبنان في مرحلة ما قبل ال2005. الأهم، أن خصومه السياسيين ومنافسيه ممن دافعوا علناً ضد أي إجراء يوقف النزوح في مرحلته الأولى والكثيفة، باتوا اليوم في مرحلة الملتحق أو المزايد على موقفه، بعدما بات ضغط النزوح لا يحتمل، وأصبحت مواقف كل القوى اللبنانية تحت مجهر الرأي العام. وتصريحات القوات اللبنانية ورئيسها الدكتور سمير جعجع، المثال الأكبر على هذه الخلاصة.
وإذا كان “التيار الوطني” هجومياً في البدايا ضد النوايا الدولية، وتقاعس القوى اللبنانية لا بل تواطئها، فكيف الحري به اليوم والسيف بات يحز رقبة لبنان، وجودياً وديموغرافياً؟ فإلى جانب المواقف السياسية المعتادة، وتغريدات الرئيس عون الذي تصدى للمخططات الدولية في أكبر المحافل الدولية، يبادر “التيار” إلى التحرك ميدانياً الثلثاء، مضيفاً شيئاً من السرية على هذه الخطوة الميدانية التي استنفر لها كل أجهزته الحزبية.
ما يزيد من اندفاع “التيار” لمواجهة المخطط الدولي ليس تسارع الخطوات الأوروبية وضغطها في اتجاه التوطين فحسب. ذلك أن تقاطعَ قوى سياسيةٍ عدة تخاصم “التيار” أو عارضت مطالبه بإقفال الحدود أو تنظيم النزوح السوري بعنف منذ السنوات الأولى للحرب السورية، تحولَ إلى محاولة استلحاق مواقفها أمام الرأي العام الذي يراقب التحولات، بزاوية 180 درجة من أقصى الدفاع عن النزوح إلى المطالبة بالعودة الفورية. وبات بإمكان أي مواطن عادي أن يرى كيف باتَ سمير جعجع من المزايدين في شأن العودة، ولم تعد تجرؤ أي قوة سياسية مما كان يعرف سابقاً ب 14 آذار أن تطلق مواقف تدعو إلى “تفهم” وضع النازحين أو إلى اتهام “التيار الوطني الحر” أو قيادته باتهاماتٍ ممجوجة ك”العنصرية” وما شابهها. بكل بساطة، يرى “التيار” نفسه منتصراً في معركته كما في فترة المبادرة إلى مواجهة السيطرة السورية، وكما في قيادة الإعتراض على التحالف الرباعي، وغيرها من المعارك الراديكالية التي صنعت كينونته السياسية وشعبيته.
يحكم خلفية موقف “التيار” من مواجهته المخططات الدولية، مساران. المسار الأول داخلي، يرى في مواقف القوى اللبنانية المعترضة على تنظيم وضع النازحين، تنفيذاً لأجندة سياسية استغلالية وقصيرة النظر، تتوهم استعمال ورقة النازحين في مواجهة حزب الله وتغيير الموازين الداخلية، سياسياً وديموغرافياً لا بل أمنياً لو أتيحت ربما لها الفرصة. ولا تنسى مصادر “التيار” أن تذكّر لموقع “أخباركم” “المزايدات الكثيرة التي وجت الكثير من سهام الإتهامات للتيار بالعنصرية وغيرها”، في الوقت الي كان من المفترض أن تقف إلى جانب المصلحة اللبنانية لا غير لو تمتعت بالحد الأدنى من الحس الوطني.
وفي وقت تؤكد هذه المصادر أن كل تحركات “التيار” ومواقفه ليست موجهة ضد النازحين، تشير إلى أن “هؤلاء هم ضحايا مؤامرة دولية وإقليمية على الرغم من ارتكاب العديد من أفرادهم جرائم متعددة”، كما أنها تذكّر بأن اللبنانيين والسوريين يدفعون ثمن المخططات الدولية والإقليمية التي دمرت البشر والحجر في سوريا وعملت بكل قوتها لتخريب النسيج الإجتماعي السوري، وما رفضها عودة النازحين إلى محاولة تكريس هذه الجروح وخلق مآس جديدة على حساب لبنان واللبنانيين.
وفي المقاربة للمخططات الدولية والإقليمية في الإطار الواسع، يرى “التيار” أن القوى الغربية والولايات المتحدة استخدمت ورقة النازحين في مواجهتها “للدولة السورية وفي صراعها مع إيران على الأرض السورية”، وتلفت إلى أنه في الوقت الذي تخلت فيه “الدول العربية عن ورقة النزوح بعد المصالحة مع دمشق ومع طهران، فإن المعضلة تكمن في أنَّ “الاتحاد الاوروبي ومعه أميركا لا تزالان تواجهان بشراسة لتصفية حساباتهما مع الاسد وبوتين وايران”.
ومن المفارقة أن أوروبا التي تخشى طوفان النزوح وتشهد بعض دولها تنامياً لموجات اليمين القومي، لا تزال هي ترفض عودتهم وتسعى بكل الوسائل للضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، انطلاقاً “من رفضها الإعتراف بهزيمة مخططاتها واستطراداً سعيها لاستكمال تمويل بقاء النازحين في الدول المجاورة لسوريا وفي طليعتها لبنان”.
ويبقى أن لبنان يبقى الحلقة الأضعف لجهة هشاشة تركيبته الديموغرافية وعدم قدرته على تحمل مخططات القوى البعيدة والقريبة ومصالحها في حل مشكلة النازحين على أرضه في ظل الضعف البنيوي لدولته، ومن هنا شراسة “التيار” في المواجهة، والتي تتحفز لها كل قواعده وقياداته، التي تستعيد مرحلة الراديكالية في التسعينات في ظروف مختلفة، لكن بالحماس والإندفاع نفسيهما…