كتب إبراهيم بيرم ل “أخباركم – أخبارنا”
قنَّنت حركة “حماس” في الآونة الأخيرة حراكها ونشاطها إلى درجة دفعت البعض إلى تبني استنتاج مفاده أن هذه الحركة الجهادية التي فرضت نفسها على المشهد السياسي في بيروت في العامين الماضيين، قد أخلت الساحة اللبنانية. وقد تجلى ذلك في انخفاض منسوب نشاطها السياسي إلى الحد الأدنى، وإيقاف أي نشاط أو فعل عسكري لها، وهي التي لم تخفِ مشاركتها وحضورها العملي في المواجهات التي انطلقت على الحدود الجنوبية إلى جانب مقاتلي حزب الله، خصوصًا في الأشهر الأولى لانطلاق هذه المواجهات.
وكان لافتًا تزامن الانكفاء الطوعي لهذه الحركة الجهادية الفلسطينية مع الانسحاب السلس لـ “الجماعة الإسلامية” من المعركة التي دارت فصولها في الميدان الجنوبي، خصوصًا في المواجهات التي احتدمت بعد أن شنت إسرائيل هجومها الواسع البري والجوي في أعقاب اغتيال الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، في 27 أيلول الماضي. فاندفع البعض إلى الحديث عن تنسيق خفي بين الطرفين اللذين يجمعهما المنبع “الإخواني”.
وليس بمستطاع أي كان إنكار أن هذين التنظيمين قد دفعا أثمانًا غير قليلة جراء انخراطهما في المعارك والمواجهات، خصوصًا في الأشهر الأولى، حيث نفذا العديد من العمليات وخسرا معًا أكثر من 60 عنصرًا، سقط بعضهم في عمليات الالتحام والاشتباك مع القوات الإسرائيلية، فيما سقط الباقي في عمليات اغتيال نفذها الطيران.
وقد لوحظ في الأسابيع القليلة الماضية أن قيادات “حماس” الذين اعتادوا الحراك في بيروت، وهم نحو ستة قياديين، قد غابوا فجأة عن السمع تمامًا، وفي مقدمهم القيادي المخضرم أسامة حمدان، الذي غاب عن الأضواء تمامًا منذ أكثر من خمسة أشهر بعدما كانت له إطلالة إعلامية يومية أمام ممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، أثناء اشتداد المواجهات في غزة.
وأفادت مصادر على صلة بالحركة أن حمدان، الذي ورد اسمه يومًا ما كخليفة محتمل لرئيس المكتب السياسي للحركة، يحيى السنوار، قد غادر بيروت إلى جهة مجهولة من دون عودة. وقد حذا حذوه باقي القيادات الحمساوية الذين كانوا ناطقين يوميًا بلسان تنظيمهم، مستعدين للتفاعل مع أي إعلامي يتواصل معهم.
ما لا شك فيه أن “الأداء الاختفائي” للحركة عن الساحة اللبنانية كان مثار تساؤلات وتفسيرات، خصوصًا أنه سبق للحركة أن تعاملت مع هذه الساحة على أنها ساحة “صديقة وآمنة” يمكن لها التحرك فيها براحة تامة، ما دفع يومًا ما قياديًا بارزًا في الحركة (علي بركة) إلى إطلاق دعوة للاجئين في لبنان للعودة إلى معسكرات التدريب والاستعداد لملاقاة العدو، وهو ما أثار آنذاك ردود فعل واسعة، تخوف مطلقوها من العودة إلى تكرار تجربة الوجود الفلسطيني في مرحلة ما قبل اجتياح عام 1982.
ويعطي بعض الذين هم على تماس مع ملف الوجود الفلسطيني في لبنان تفسيرًا لهذا التطور، ينطلق من فرضية أن “حماس”، التي منيت بنكسة في معقلها في غزة، استشعرت أن “الدور” آتٍ على حليفها حزب الله في لبنان، ما يوجب عليها الاستعداد لتلك المرحلة الصعبة، فسارعت إلى الانكفاء عن الساحة كإجراء وقائي.
إضافة إلى ذلك، فإن ثمة من يتحدث عن تباينات داخل الحركة، بعدما استشعر الجناح الحمساوي الذي راهن على إيران أو الذي وضع كل بيضه في سلتها أنه مني بانتكاسة توجب عليه التراجع. فما كان من الجناح الآخر إلا أن تقدم إلى المواقع التي أجبر على التراجع عنها سابقًا، خصوصًا بعدما أدت انتخابات جرت في الحركة إلى إبعاد خالد مشعل، بما يمثله، عن القيادة لمصلحة إسماعيل هنية والسنوار والشيخ صالح العاروري، الذين اغتالهم الإسرائيليون جميعًا.
وبطبيعة الحال، فإن سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد واستيلاء معارضيه على السلطة في دمشق قد حفز مجموعة من القيادات المعادية للأسد داخل هرم القيادة في الحركة على التقدم بقوة إلى الواجهة عبر إدانة النظام السابق وتمجيد القوى التي تسلمت مقاليد الحكم. فقد أثر الموقف الناري الذي أدلى به الرئيس السابق للحركة، خالد مشعل، ضد نظام الأسد، وإشادته في المقابل بـ “الثوار”، على القيادي عزت الرشق، الذي أطلق معادلة مفادها: “من دعمنا بحق لا ندعمه بالباطل، ولا ندعم من كان يمد يده لنظام الأسد الظالم”. وقد مثل هذا التصريح لغزًا لـ “حزب الله”، الذي ما زال يعكف على التمعن فيه ليعرف كنهه ومؤداه، وهل هو موجه له كمقدمة لخطوات أبعد، أم أنه تمهيد لأداء جديد مختلف مبني على حسابات المرحلة الجديدة ومعادلاتها.