كتب ابراهيم بيرم: فور صدور بيان لقاء الخماسية الذي انعقد في الدوحة اخيراً، رد حزب الله على متصلين به لمعرفة رأيه بما ورد بالقول، انه يتعامل منذ البداية مع المبادرة الفرنسية وتتماتها ومتفرعاتها، لا سيما اجتماع الخماسية ومهمة الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص جان ايف لودريان، بقدر كبير من الموضوعية والعقلانية التي تستوجب عدم الافرط في عقد رهانات كبيرة على مآلاتها المرتقبة ونتائجها المحتملة.
ورغم ذلك، قرر الحزب الا يفصح عن اي رغبة في مقاطعة هذه المبادرة والتعامل السلبي معها، بل التجاوب معها حتى النفس الاخير.
وبمعنى آخر، فان الحزب يعلن بتشخيصه هذا، فهو يضع هذه المبادرة في مكانها وحجمها الطبيعيين، فلا هو مستعجل لنعيها ولا هو في المقابل يضع كل اوراقه وبيضه في سلتها وينام على حريرها.
وبناء عليه، فان الحزب يزعم بأن ما صدر عن نتائج اجتماع الخماسية في الدوحة اخيراً لم يشكل عنصر مباغتة له ولا هو توقف عند الكلام الذي سبق هذا اللقاء، والذي انطوى على ما فحواه أن باريس قفزت من مركب المبادرة التي سارعت الى اطلاقها باكراً والمنطوية على النظر بجدية الى سليمان فرنجية مرشحاً جدياً وطبيعياً، ومن شأن السير بهذا الخيار أن يفضي الى اخراج الاستحقاق الرئاسي من استعصائه، وذلك لاعتبارين اساسيين:
الاول، ان الحزب على ثقة تامة من ان باريس اطلقت هذه المبادرة بكل مضامينها عن سابق دراسة ودراية وقناعة واحاطة للموقف المعقد في الساحة اللبنانية وموازين القوى فيه.
الثاني، ان رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد لم يتوان، في لقاء الساعتين الذي عقده مع الموفد لودريان في قصر الصنوبر ابان زيارته لبيروت، عن تقديم لائحة دفوع واضحة تتضمن الاعتبارت والهواجس التي تدفع بالحزب الى تبني خيار فرنجية والثبات عليه.
في الموازاة، لم يستكن الحزب في يوم من الايام الى استنتاج ان المبادرة الفرنسية آيلة وريب الى التحقق قريباً، لأنه (الحزب) كان يعي تماماً لعبة تناقض الحسابات وتضارب المصالح وتصادم الحسابات بين اطراف الخماسية حيال الاستحقاق الرئاسي اللبناني وما يليه.
ففي تقديرات الحزب، إن للفرنسيين حساباتهم المختلفة عن حسابات بقية اطراف الخماسية. وبمعنى تفصيلي، فان الحزب يعرف على سبيل المثال، حقيقة الدوافع التي تملي على قطر تبني خيار قائد الجيش العماد جوزف عون مرشحاً للرئاسة الاولى. واستطراداً، يعي الحزب أن قطر تتلاقى في هذه القناعة مع الجانب المصري.
والحزب الذي سبق واستمع ملياً الى ما يدور في خلد الدوحة للسير بهذا الخيار، اذ اجتمع رعد مع الموفد القطري الى بيروت مرتين وبادر الى وضعه (الموفد القطري) في صورة الدوافع والهواجس التي تملي عليه تسمية فرنجية مرشحاً طبيعياً وعدم التراجع عن هذا الخيار.
ولم يكن ما سمعه رعد من الموفد الا عبارة عن تمنيات في السير بخيار العماد عون لأن الدوحة ترى انتخابه “فك مشكلة” ليس الا. فبدت قطر بهذا التبرير وكأنها تتعمد ان تقفز عن وقائع ومعطيات لبنانية عديدة او تتجاهلها عن عمد او بالابعاد.
وفي الموازاة، فان الحزب لا يخفي على لسان بعض مسؤوليه انه اكثر “احتفاء” بالموقف السعودي ويعتبره الاكثر عمقاً وانسجاماً مع الذات، خصوصاً بعد ان افصح السفير السعودي وليد البخاري عن ان موقف بلاده يقوم على معادلة ان “لا مرشح لنا نزكيه ولا مرشح خصم لنا نضع عليه فيتو ونحاربه”.
وكان واضحاً بالنسبة الى الحزب ان في طوايا هذا الموقف الجليّ، تكمن رغبة سعودية في النأي بالنفس عن هذا الاستحقاق الحيوي لاعتبارات عدة، في مقدمها عدم الالتزام بأي تعهد مستقبلي حيال الشأن اللبناني.
وكثيراً ما باح الينا مسؤولون في الحزب في احاديث خاصة، بانهم يرون ان هذا الموقف السعودي ليس دليل ضعف او مجرد انسحاب تام من شؤون الساحة اللبنانية وشجونها. اذ وفق الكثير من المعطيات، يرى الحزب ان كلمة السر والفصل تعطيها الرياض الى عدد من النواب اللبنانيين من شأنها ان تحسم مسار الاستحقاق الرئاسي وتخرج البلاد من ازمتها الحاضرة. لذا، فان الحزب لا يخفي ان فك اسر الاستحقاق الرئاسي هو بيد الرياض حصراً، وانه ينتظر منها حراكا ما في هذا الصدد.
وعليه، فان الاستنتاج الاوّلي للحزب من لقاء الخماسية في الدوحة اخيراً وما انطوى عليه بيانها الختام، هو بالنسبة اليه يحمل معنى اساسياً، وهو ان مرحلة ممارسة اقسى الضغوط على الثنائي الشيعي لاجباره على التخلي عن خياره الرئاسي المعروف منذ زمن، ما زال مستمراً، بل وانه سياخذ شكلاً تصعيدياً في قابل الايام.
واستطراداً، فان جوهر البيان يعني بالنسبة الى الحزب امراً اساسياً قوامه ان المعنيين المباشرين الخمسة بالاستحقاق الرئاسي اللبناني، برهنوا عن عدم رغبة في التقدم بالنقاش نحو مربع جديد يخرج عن المربع التقليدي المعروف، وهو ان عليكم اولا التخلي عن ورقة ترشيح فرنجية، ولن نبوح لكم بخيارنا البديل الذي نعد له، ولكن عليكم من الآن ان توطّنوا انفسكم على تقبله مهما كان، وان تسيروا في ركبه بصرف النظر عما يمكن ان يؤدي اليه.
واقع الحال يفضي في نظر الحزب الى امر اساسي، وهو انه على البلاد ان تنتظر جولة ضغوط وجولة تصادم رؤى وارادات، فضلاً عن الاحتمالات السلبية.