كتب مسعود محمد لـ ” أخباركم – أخبارنا”
تحمل سوريا اليوم جرحاً عميقاً لا يلتئم، حيث تتكشف يوماً بعد يوم أهوال الجرائم التي ارتكبت في السجون والمعتقلات. مئات الآلاف من المغيبين، وآلاف العائلات التي تعيش في دوامة اليأس والغموض، تبحث عن بصيص أمل لمعرفة مصير أحبائها. وبينما تنتشر الدعوات للحداد العام على هذه الكارثة الإنسانية، تبرز تساؤلات جوهرية: كيف يمكن أن نبدأ الحداد قبل كشف الحقيقة؟ كيف يمكن للمرء أن يتصالح مع الفقد دون أدنى يقين؟
الحداد الناقص… جرح مفتوح
الحداد، بطبيعته، يمثل تصالحاً مع الفقد، لكنه مستحيل في ظل الغموض الحالي. آلاف الأسر السورية لا تزال تعيش حالة من الانتظار المرير، تتلقى شذرات من المعلومات المتناقضة أو تصطدم بجدار الصمت. وحتى مع الوثائق التي يُفترض أن تحمل بعض الأمل، غالباً ما تكون هذه الوثائق غامضة أو ناقصة، مما يجعل الحداد ضرباً من الخيال.
المجرمون… من الماضي إلى الحاضر
الجرائم التي ارتُكبت في السجون السورية لم تكن مجرد أعمال فردية، بل كانت جزءاً من منظومة قمعية كاملة استهدفت الشعب السوري. ومع سقوط النظام، لم تختفِ تلك الممارسات بل تحوّلت، حيث نرى اليوم أن المجرمين أنفسهم، الذين تعلموا التشبيح ومارسوا القتل بدم بارد، يواصلون إجرامهم.
عملية قتل 14 عنصراً من وزارة الداخلية الجديدة هي أحدث مثال على ذلك، حيث يعيد هؤلاء القتلة إنتاج سلوكيات النظام السابق. هؤلاء ليسوا مجرد أتباع لنظام ساقط، بل هم مجرمون يستحقون المحاسبة والعقاب.
ضرورة قانون للمحاسبة
لا يمكن أن تستقر سوريا أو تنطلق نحو مستقبل حر دون وضع قانون صارم لمحاسبة المجرمين. العدالة ليست مجرد مطلب شعبي، بل هي أساس أي بناء للدولة. يجب إنشاء محاكم خاصة لملاحقة كل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري، بغض النظر عن انتمائه أو موقعه.
التدخل الإيراني… رغبة مرفوضة
إلى جانب الجرائم الداخلية، تبرز محاولات خارجية لتعزيز حالة الفوضى وإطالة أمد النزاع. دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي لدعم “المقاومة” في سوريا ليست سوى تأكيد على رغبة إيران في استمرار تدخلها في الشأن السوري واستغلال الأرض السورية لتحقيق مصالحها الإقليمية.
لكن هذه الدعوة مرفوضة جملةً وتفصيلاً. سوريا أصبحت حرة بعد عقود من القمع، ويجب أن تبقى حرة. الشعب السوري لن يقبل أن تتحول بلاده مرة أخرى إلى ساحة صراع بالوكالة أو ملاذ للأنظمة القمعية والمليشيات الموالية لها.
خلق منطقة عازلة لإيران… مشروع للسلام والتنمية
لضمان تحرير سوريا من التدخلات الأجنبية، يجب العمل على خلق منطقة عازلة تمتد من خانقين على حدود إيران في كردستان العراق، وصولاً إلى دمشق، ومن ثم إلى لبنان بعد انتهاء أزمته وخروج المليشيات الإيرانية من الواجهة.
هذه المنطقة العازلة لن تكون فقط حائط صد أمام النفوذ الإيراني، بل ستكون نواة لتأسيس شرق أوسط جديد، يرتكز على التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة، بدلاً من تدميرها وتجويعها وقمعها.
إقامة هذه المنطقة ستساهم في:
1. تعزيز الأمن والاستقرار عبر منع التدخلات الخارجية.
2. فتح المجال للتنمية الاقتصادية من خلال مشاريع مشتركة بين دول المنطقة.
3. إعادة بناء الثقة بين الشعوب عبر التركيز على القضايا المشتركة بدل الصراعات.
4. إنهاء نفوذ المليشيات التي تقوّض سيادة الدول.
سوريا الحرة تحتاج العدالة والرفاه
الحداد الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون كشف مصير المغيبين ومحاسبة المجرمين وإنهاء التدخلات الأجنبية. بناء سوريا الحرة يتطلب رؤية جديدة للمنطقة، رؤية قائمة على العدالة والرفاه، لا على الحرب والتدمير.
سوريا التي دفعت ثمناً باهظاً لنيل حريتها، يجب أن تحافظ على هذه الحرية، وأن تكون جزءاً من مشروع أوسع لتطوير المنطقة وضمان مستقبل أفضل لشعوبها. لا حداد قبل كشف الحقيقة. لا مصالحة قبل المحاسبة. سوريا حرة، ويجب أن تبقى حرة.
