كتب إبراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
فور سقوط نظام بشار الأسد، أُثير بقوة في محافل السياسيين اللبنانيين سؤال ملح عن العلاقة المستقبلية بين لبنان وسوريا. السؤال ينطلق من خلفيتين:
الأولى تاريخية، في ضوء الاضطرابات المزمنة في هذه العلاقة منذ استقلال البلدين، وهي مسألة كانت سمة لجميع العهود السياسية والرئاسية في دمشق. الثانية، أن هناك شريحة واسعة من اللبنانيين أبدت حفاوة كبيرة بذهاب حكم البعث من عاصمة الأمويين، إما للتشفي وتصفية الحسابات، أو أملًا في إعادة ترتيب العلاقة بين البلدين بشكل يسهم في تخفيف التناقضات والصراعات والشكاوى المتبادلة.
ومع الحفاوة التي أبدتها هذه الشريحة تجاه التغيير في دمشق، ومع وصول وفود لبنانية حزبية ودينية إلى العاصمة السورية لمباركة التطور الجديد، بدأ السؤال يتكرر عن طبيعة العلاقة المتوقعة بين لبنان كدولة وحكومة وبين العهد الجديد في سوريا، خصوصًا أن الشريحة اللبنانية المتحمسة للتحول المستجد في دمشق بدأت توجه سهام الانتقاد لحكومة نجيب ميقاتي التي “تلكأت” عن مد جسور التواصل مع القاطنين الجدد في قصر المهاجرين، في وقت كانت الوفود الخليجية والأجنبية تتسارع للاعتراف بشرعية الحكم الجديد في دمشق.
ظل هذا السؤال قائماً حتى وقوع الحادث الأمني الأخير في منطقة حام – معربون في السلسلة الشرقية. تجاوز هذا الحدث الأمني العابر ليصبح مواجهات استمرت ساعات، خصوصًا بعد اعتراض “مسلحين” من الجانب السوري على قيام وحدة من الجيش اللبناني بسد منفذ غير شرعي يستخدم عادة لأعمال التهريب في تلك المنطقة الجردية. وبعد ساعات قليلة، تم تداول بيان في بيروت عن اتصال هاتفي بين الرئيس نجيب ميقاتي ورئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، حيث وجه الشرع دعوة الى ميقاتي لزيارة دمشق “لبحث الوضع الحدودي الساخن ولحل المشكلات المتراكمة بين البلدين”. وكان لافتًا أيضًا أن الإعلام السوري المتحدث عن الاتصال أشار إلى وعد ميقاتي بتلبية الدعوة “في القريب العاجل”. وهنا بدأ التساؤل: متى سيظهر ميقاتي في قصر المهاجرين في دمشق، مصافحًا الشرع؟ وماذا يعني ذلك للمستقبل؟
بالعودة إلى تاريخ ميقاتي السياسي، فقد بدأ في منتصف عقد التسعينات في المسرح السياسي اللبناني تحت “عباءة” الوصاية السورية التي كانت تسيطر على مقاليد اللعبة السياسية في بيروت. ورغم هذا، فقد سجل لميقاتي أنه نجح لاحقًا في تأمين خروج سلس له من “العباءة السورية” وأوجد مسافة بينه وبين بشار الأسد، حتى تحولت العلاقة بينهما إلى قطيعة، خصوصًا أنه تعامل مع دعوات ونصائح زيارة دمشق لحل المشاكل العالقة، مثل مشكلة النازحين السوريين الذين تدفقوا إلى لبنان بعد الاضطرابات في سوريا.
المقربون من ميقاتي يؤكدون أن نهجه الحذر والموزون في تعامله مع دمشق، سيظل حاضرًا رغم التحولات الأخيرة في العاصمة السورية. ويؤكد هؤلاء أن الاتصال بين ميقاتي والشرع لم يكن مفتعلًا، بل جاء على خلفية حادث أمني ينطوي على مخاطر وتداعيات كبيرة. وقد ارتبط هذا الأمر بمعلومات عن طلب ميقاتي من وزير الخارجية في حكومته، عبد الله بو حبيب، إعداد الملفات اللازمة لزيارة دمشق والتباحث مع رموز الحكم السوري الجديد حول سبل تطبيع العلاقات بين البلدين بعد التحولات الأخيرة. ويقال إن الزيارة ستكون مقدمة لما بعد، حيث أن هناك قضايا عالقة تحتاج إلى “ورشة اتصالات ولقاءات” لإيجاد الحلول والمعالجات لها.
وفي هذا السياق، يؤكد المقربون أن الزيارة الأولى التي سيقوم بها ميقاتي إلى دمشق ستكون عبر زيارة وزير خارجيته بو حبيب في وقت قريب جدًا. وإذا حدث ذلك، فهذا يعني أن ميقاتي، الذي يراقب الوضع في دمشق عن كثب، قد تمكن من تأجيل زيارته إلى حين استكمال الظروف والمقدمات التي تسمح بتلبية الدعوة بشكل يحقق أفضل نتائج.
وفي الوقت ذاته، هناك من يرى أن ميقاتي قد يكون آخر المسؤولين العرب الذين يزورون دمشق، لكي لا يثير حفيظة بعض العواصم التي لا تزال حذرة من التحول الجديد في سوريا، خصوصًا وأنها تصنف الحكام الجدد في دمشق ضمن “اللائذين بعباءة حكام إسطنبول”. وبالتالي، فإن ميقاتي الذي يسعى منذ فترة لاكتساب ثقة بعض العواصم الخليجية لن يكون مستعجلاً في زيارة دمشق قبل أن يطمئن إلى استقرار الوضع هناك.
وفي النهاية، من المتوقع أن تتضح معالم الوضع اللبناني الجديد في القريب العاجل، خصوصًا في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد ومعرفة من سيكون المرشح الأبرز لرئاسة الحكومة المقبلة. إلى أن يحين ذلك، فإن هناك أكثر من سبب يفرض على ميقاتي تأجيل زيارة دمشق، مع تأكيده في الوقت نفسه على أن التنسيق مع دمشق هو قدر لا مفر منه بالنسبة للسياسيين اللبنانيين.