كتب إبراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
يترسخ يوماً بعد يوم في الدوائر المغلقة في الحزب استنتاج خلاصته أن الإطلالات الثلاث الساخنة الأخيرة لرموز الحزب الأساسيين، والتي تتابعت في الأيام القليلة الماضية، قد أدت أغراضها المرجوة، سواء لناحية بعث الرسائل إلى من يعنيهم الأمر داخلياً وخارجياً، أو لناحية رسم حدود المقاربة المستقبلية لتحولات المشهد الداخلي.
الواضح أن الحزب لا يعطي أهمية كبرى لكلام البعض بأن هذا الحراك المكثف لرموز الحزب إنما هو “أداء دفاعي وقائي”، بات الحزب مجبراً في الآونة الأخيرة على توسيطه، لا سيما بعدما أكثر خصومه من محاصرته بتهمة “الكسيح والمكبّل”، بعدما خرج من مواجهته مع الإسرائيليين واهناً، قوته تجر أذيال الهزيمة.
ولا تنكر مصادر على صلة بالحزب أنه كان في الأسابيع الأربعة التي تلت وقف النار في الجنوب في حال انكفاء نسبي عن الحراك والكلام، تمثل بإطلالات مقننة ومدروسة لبعض نوابه وواحد من وزرائه، من باب إثبات الحضور. لكن التطورات والمحطات المفصلية الأخيرة، ولا سيما تلك المتمثلة بـ:
- اقتراب موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.
- قرب انتهاء مهلة الستين يوماً المحددة في اتفاق وقف النار، والتي تُعد المهلة الأخيرة لانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب، وبأنها استطراداً الموعد المبدئي لبدء مهلة التطبيق الفعلي والنهائي لمندرجات القرار 1701 المعزز.
وعليه، جاءت الإطلالات الثلاث مندرجة في سياق واحد عنوانه تكثيف الحضور والحراك، والإضاءة على التوجهات المستقبلية للحزب، بما يدحض سردية الأعداء بأنه “آيل إلى ضمور وتهميش غير مسبوقين، يفقده أولوية الحضور والتأثير”.
لذا، كان لكل إطلالة مغزاها ومعناها حاضراً ومستقبلاً. فإطلالة الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، كانت أكثر ما تكون رسالة موجهة إلى الأميركيين والإسرائيليين، واستتباعاً إلى لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال الحربية. وهي رسالة كان مفروضاً على الحزب إشهارها، ومؤداها أن عدم التزام تل أبيب بسحب قواتها المتمددة في الجنوب الحدودي وفق ما نص عليه الاتفاق، يسمح للحزب باللجوء إلى “خيارات معينة”، خصوصاً وأنه مارس ما يكفي من الصبر والعض على الجراح وهو يرصد “الخروق الإسرائيلية اليومية”، والتي تحولت إلى اعتداءات موصوفة.
وتذكر المصادر نفسها أن الحزب تحدث للمرة الأولى عن خيارات وضعها في حساباته، وهو مستعد للعمل بها في حال تمادي إسرائيل في كلامها عن “تمديد مهلة الانسحاب الموعودة”، وهو ما يعني تأجيلاً للانسحاب من الجنوب. وبمعنى آخر، كان الحزب يعلن بلسان قاسم أن الأسباب التي دفعته للسكوت على الخروق الإسرائيلية قد استنفذت غرضها وأدت المقصود منها بعدما وضعت الجميع أمام التزاماتهم والضمانات التي تعهدوا بها.
وقد تعمد رئيس كتلة نواب الحزب، محمد رعد، أن تكون إطلالته الأولى بعد احتجاب استمر لأكثر من شهرين من منبر عين التينة، بمثابة رسالة يراد منها أولاً إظهار تماسك الثنائي الشيعي بعد ورود كلام عن تباعد الرؤى بين قطبيه، ويراد منها ثانياً أن هذا التماسك التاريخي ممتد في المرحلة المقبلة ولم تنته مفاعيله وضروراته بعد، خصوصاً وأن ثمة من يعد نفسه لاستضعاف هذا الثنائي وحرمانه من “مميزات كانت تُعطى له بقوة حضوره”.
أما إطلالة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، وهو الذي يُعطى إليه أمر الظهور عندما يجد الحزب ضرورة وحاجة لـ “مخاشنة” خصومه وإظهار العين الحمراء لهم، فقد كانت الإطلالة الأكثر تميزاً والأغزر دلالة، لا سيما بعدما تركزت على أمر أساسي اختصره صفا بلسانه عندما قال ما معناه: “لا تجربونا فنحن لا زلنا أقوياء بما يكفي، وأنه بمقدورنا أن نرد على من يتعمد إيذاءنا ومحاصرتنا تحت ذريعة أننا في موقع الخسارة والوهن”.
واللافت أن الحزب أعطى معنى أبعد لكلام صفا عندما قال الذين اعتادوا التعبير عما يدور في رأسه، إن كلامه (صفا) هو “فيتو الحزب الوحيد”، وهو على “جعجع الفتنوي”، الذي قد أطاح بآمال قائد القوات اللبنانية ورهاناته على تحقيق حلمه في بلوغ سدة الرئاسة الأولى.
وفي كل الأحوال، فإن الحزب بهذا الأداء يكون قد أبلغ من يعنيهم الأمر أنه قد انطلق لتوه في مرحلة جديدة، سيكون لها ما يليها بطبيعة الحال، وذلك في رحلة استعادة ما فقده من هيبة واقتدار، ولو كان الأمر على دفعات.