أخباركم – أخبارنا / كتب مسعود محمد
الجماعات الدينية المتطرفة تمثل واحدة من أبرز التحديات التي تواجه العالم الإسلامي والمجتمع الدولي على حد سواء. تتبنى هذه الجماعات أيديولوجيات ترتكز على فهم ضيق ومتحجر للنصوص الدينية، ما يؤدي إلى تبني ممارسات وسياسات تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي. يمكن تلخيص فكر هذه الجماعات في ثلاثة محاور أساسية: الحكم على المجتمعات بالكفر، الهجرة من أرض “الاستضعاف”، والجهاد المسلح. ومع صعود نموذج الثورة الإسلامية في إيران، ازدادت طموحات هذه الجماعات في تحقيق رؤاها باستخدام وسائل أكثر تعقيدًا وتنظيمًا. في هذا المقال، سنناقش فكر هذه الجماعات، آثاره، والتحديات التي يفرضها، مع اقتراح سبل إصلاحية لمواجهة خطرها.
- الحكم على المجتمعات بالجاهلية والكفر
الأيديولوجيا والتفسير
ترتكز الجماعات الدينية المتطرفة على فكرة أن المجتمعات الإسلامية الحالية ليست مسلمة بحق، بل تعيش في “جاهلية جديدة”، وذلك لعدم تطبيقها الشريعة الإسلامية بشكل كامل. ترى هذه الجماعات أن لجوء الدول إلى القوانين الوضعية بدلاً من “حكم الله” يجعلها مجتمعات كافرة، وفقاً لتفسيرات متشددة للنصوص القرآنية.
الأثر على المجتمعات
• الانقسام الداخلي:
يؤدي تكفير المجتمعات إلى خلق حالة من الانقسام داخل الأمة، حيث تفصل هذه الجماعات نفسها عن عامة المسلمين وتعتبرهم أعداءً أو مرتدين.
• العنف والتطرف:
يصبح العنف مبررًا لاستعادة “المجتمع المسلم” المفترض، ما يؤدي إلى هجمات إرهابية واغتيالات تستهدف الحكومات والمؤسسات المدنية.
المقاربة الإصلاحية
• تجديد الفكر الديني:
يجب أن تتم مواجهة هذا الفكر من خلال تعزيز فهم متجدد للشريعة الإسلامية يتبنى الاجتهاد ويعترف بتعددية الفقه الإسلامي.
• تعزيز التربية الإسلامية المعتدلة:
تقديم خطاب ديني متوازن يعزز قيم التسامح والتعايش ويناقض أفكار التكفير والتشدد.
- الهجرة من أرض “الاستضعاف” إلى أماكن أخرى
الأيديولوجيا والتطبيق
تؤمن هذه الجماعات بفكرة “الهجرة” من المجتمعات التي تعتبرها غير إسلامية إلى أماكن جديدة تُعتبر أرضًا خصبة لتأسيس “نواة المجتمع المسلم”. تستند هذه الفكرة إلى الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، لكنها تُطبق بشكل مشوه من خلال الانعزال عن المجتمعات الحالية أو حتى السعي لتكوين مجتمعات مغلقة في مناطق نائية أو في سياقات سرية.
الأثر على المجتمعات
• عزل الجماعات عن المجتمع:
يؤدي تطبيق فكرة الهجرة إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وتعميق الشعور بالعزلة بين أفراد هذه الجماعات والمجتمع الأوسع.
• إنشاء مناطق خارجة عن السيطرة:
سعي الجماعات لتكوين “مجتمعات بديلة” قد يؤدي إلى ظهور مناطق خارجة عن سيطرة الدول، ما يهدد الأمن القومي.
المقاربة الإصلاحية
• تعزيز مفهوم الانتماء الوطني:
يجب نشر مفهوم أن المسلم يمكن أن يكون عضوًا صالحًا ومساهمًا في مجتمعه بغض النظر عن مدى تطبيق الشريعة، مع تأكيد قيم المواطنة.
• إدماج المجتمعات المحلية:
دعم سياسات إدماج مجتمعي وثقافي تمنع الشعور بالاستبعاد الذي تستغله الجماعات المتطرفة.
- الجهاد المسلح وإقامة “الدولة الإسلامية”
الأيديولوجيا والتطبيق
ترى الجماعات المتطرفة أن الجهاد المسلح هو الوسيلة الوحيدة لإسقاط الأنظمة الحاكمة التي تعتبرها “طاغوتية” ولإقامة “دولة إسلامية”. تستند إلى تفسيرات ضيقة لمفهوم الجهاد الذي يتم تقديمه كأداة قتال فقط، متجاهلة جوانبه الروحية والاجتماعية.
الأثر على المجتمعات
• تصعيد العنف:
يؤدي التركيز على الجهاد المسلح إلى موجات من العنف تشمل التفجيرات الانتحارية، والاغتيالات، واحتلال المدن كما حدث مع تنظيم “داعش”.
• تدمير البنية الاجتماعية والسياسية:
تسفر أعمال العنف عن تهجير السكان، انهيار الخدمات، وتشويه صورة الإسلام عالميًا.
المقاربة الإصلاحية
• إعادة تعريف الجهاد:
يجب تقديم فهم شامل لمفهوم الجهاد يعكس الجوانب الروحية والتنموية، مع التركيز على دوره في بناء المجتمعات لا تدميرها.
• تعزيز سيادة القانون:
تقوية مؤسسات الدولة القانونية والسياسية للحد من تأثير الجماعات المسلحة.
- تأثير الثورة الإسلامية في إيران
نموذج الخلايا السرية
أعطت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني دفعة قوية للجماعات المتطرفة التي رأت في نجاح الثورة دليلاً على إمكانية تحقيق رؤاها. اعتمدت هذه الجماعات أسلوب العمل السري وتشكيل خلايا صغيرة منظمة بهدف الإطاحة بالأنظمة القائمة.
الأثر
• تصعيد الطموحات:
ازدادت محاولات الجماعات لتكرار السيناريو الإيراني في دول أخرى.
• تعقيد المواجهة:
أصبحت الجماعات أكثر تنظيمًا وخطورة، ما زاد من صعوبة القضاء عليها.
المقاربة الإصلاحية
• فصل الدين عن السياسة:
تعزيز مفاهيم توازن السلطة المدنية والدينية بما يمنع استخدام الدين كأداة سياسية.
• تعاون دولي وإقليمي:
إنشاء آليات تعاون بين الدول الإسلامية والغربية للتصدي للمنظمات المتطرفة بفعالية.
الإصلاحات المطلوبة
- إصلاحات شرعية:
• تجديد الخطاب الديني:
التركيز على خطاب ديني يعزز القيم الإنسانية والاعتدال ويواجه الفكر التكفيري.
• إحياء الاجتهاد:
دعم العلماء والمؤسسات التي تسعى لتجديد الفقه الإسلامي بما يتماشى مع احتياجات العصر. - إصلاحات سياسية:
• بناء الدولة المدنية:
تعزيز المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون لضمان العدالة الاجتماعية.
• محاربة الفساد:
التصدي للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تغذي التطرف، مثل البطالة والتمييز. - إصلاحات ثقافية وتعليمية:
• تعزيز التعليم:
إدخال مناهج تعليمية تركز على التسامح والتعددية الدينية والثقافية.
• تمكين الشباب:
توفير فرص اقتصادية واجتماعية للشباب لثنيهم عن الانضمام للجماعات المتطرفة.
خاتمة
إن فكر الجماعات الدينية المتطرفة يمثل تهديدًا عميقًا للعالم الإسلامي والمجتمع الدولي. يتطلب التصدي لهذا الخطر مقاربة شاملة تجمع بين الإصلاحات الشرعية، السياسية، والثقافية، إلى جانب التعاون الدولي. بتحقيق ذلك، يمكن تحصين المجتمعات الإسلامية ضد التطرف وتعزيز استقرارها وسلامها الداخلي والخارجي.