أخباركم – أخبارنا/ كتب مصطفى أحمد .. تحذير
لا اريد ان افسد فرحة احد بما حصل بالامس ، وخاصة انه لم تمضي بعد اربع وعشرين ساعة على انتخاب “الرئيس” ، بعد 26 شهرا و10 ايام من الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية ، من جهة ، ولم ينم فخامة الرئيس جوزيف عون بعد ليلة واحدة في قصر بعبدا ، من جهة ثانية .
لكن الخبرة في الحياة لا تكتسب من خلف شاشات التلفزة ، انما من خلال التجارب والكثير منها صعب واحيانا مخيب للامال ، وبالتالي ليست كلها وردية ، فمنها الفاشلة ومنها الناجحة . بالمختصر المفيد “الانسان بيتعلم من كيسه ” .
لذا ، سأورد سلسلة من الملاحظات والتي اعتقد انها قد تشكل كابحا ومعرقلا ، لما يتمناه الكثيرون من تغيير جذري في مسار البلاد . وفي حياة الشعب اللبناني ، واهمها :
_ اولا : الاندفاعات المذهبية والطائفية في التعبير عن الفرح ، وربما قد يكون البعض او هذه الفئة او تلك ، قد اسمت ما حصل انتصارا لها على غيرها .او المبالغة “الكربلائية” في التعبير عن الصدمة والحزن ، بما قد يعتبره البعض هزيمة غير قابلة للاحتمال.
احد اسباب توقفي عن المشاركة في مظاهرات 14 اذار ، اضافة لانتهازية قياداتها واستعدادهم الدائم لعقد مساومات تحافظ على ما هو قائم ، ولا توجع الرأس . اضافة الى انهم يديرون اذانهم للخارج ويفعلون ما يطلب منهم ، كان تغلغل وتنامي النزعة المذهبية في الهتافات والشعارات واليافطات رغم ارتفاع الاعلام اللبنانية فقط ، أحسست انذاك بالازعاج وبالاغتراب ، وكما ينقل عن اهل جونية قولهم عن شخص مهما طالت اقامته بانه “غريب” .
_ ثانيا : استعداد الخارج القريب والبعيد ، الاقليمي والعربي والدولي ، للتخلي والمغادرة عندما يرى ان مصلحته تعطيه مكاسب اكتر في مكان اخر ، فيغادر من دون ان يلوي على شيئ ، او يطلب فعل اشياء لا يتصورها عقل ، وسأقدم بعض الأمثلة الحديثة والقديمة على ذلك :
1 _ بالامس القريب تخلت روسيا وإيران عن نظام بشار الاسد ، وتركتاه يهوي من دون ان تضطر الدولتان لتبرير ما فعلتاه . هلق هوي بيستاهل يسقط من زمان بس صرلهم حوالى 13 سنة عم بيدافعو عنه ، وفجأة : “فص ملح وذاب” . لأن مصلحتيهما وقدرتيهما باتت تتطلبان منهما التخلي عن هذا النظام .
2 _ وبالامس القريب ، تخلت ايران عن اكثر من نصف اذرعها من دون ان يرف لها اي جفن ، فاغتيل نصرالله وقيادة حزب الله في لبنان ، واغتيل اسماعيل هنية في طهران ، وقبله اغتيل قاسم سليماني في بغداد ، ودمرت غزة وحركة حماس وارتكبت وترتكب المجازر ، من دون ان يشعر النظام الايراني انه مضطر لشرح ماذا فعل ؟ ولماذا فعل كل ذلك .
لقد ارتد النظام الايراني هذه الايام الى الداخل للدفاع عن نفسه . لقد وصلت الموس الى ذقنه ، وفشخ فشخة اكبر من قدرته على احتمالها وعلى حمايتها … ضربه الغرور واصبح النظام عالطالع وعالنازل ، يقول لقد سيطرنا على اربعة عواصم عربية ووصلنا الى المتوسط ، وخلال سبعة دقائق ونصف سنزيل اسرائيل …. الخ .. ما عاد في حدن قادر يهديهم .
3 _ وقبل ذلك ارسلت السعودية الشيخ سعد الحريري الى دمشق ليلتقي بشار الاسد و”فوق الدكة شرطوطة” لينام ليلة في قصر المهاجرين ، والنظام متهم باغتيال والده . ولم تشعر المملكة انه لا بد ان تكون هناك اساليب افضل واقل اذلالا لتحقيق ما يمكن تحقيقه .
وبالامس القريب “حرد الامير محمد بن سلمان” من لبنان بالجملة ، وقاطعه بشكل شبه كامل ارتباطا بموضوع خضوع الطبقة السياسية في لبنان للنظام الايراني عبر حزب الله وتجارة الكابتاغون . لكنه اعطى لنفسه ولدولته ، حق فتح خط او لنقل اوتوستراد مع هذا النظام ، رغم المكروه الذي فعلوه الحوثيون معه . واليوم نرى اندفاعة سعودية تجاه لبنان احد اسبابها الحرص على لبنان ، ولكن هناك اسبابا اخرى ايضا ، ومنها الخوف من التمدد التركي والاخونجي في المنطقة العربية ، انطلاقا من سوريا ، بعد ان كان الاخوان قد فشلوا في مصر سابقا . وربما احيانا كثرة الاهتمام مزعجة ، ويقال في ذلك : “من الحب ما قتل”.
4 _ اما عن الولايات المتحدة الاميركية ، فقد تخلت وبسهولة ايضا عن متابعة ثورة 14 اذار ودعمها ، في مواجهة من استهدفها واستهدف قادتها . الأمثلة كثيرة عن السياسة الاميركية التي ترتبط بطبيعة الادارة الاميركية ، ومواعيد استحقاقاتها ، وبطبيعة شخصية الرئيس وعلاقاته وتركيبة ادارته، وشخصية مبعوثه الى بلد ما وطموحاته ، ومصالح “اللوبيات” المختلفة ، وبطبيعة السفير في بلد ما . وكلنا يذكر كيف كان كيسنجر يريد ترحيل المسيحيين من لبنان بالبواخر . وكلنا يذكر ايضا النهج الذي انتهجه اوباما مع النظام الايراني ، ليكون قوة اقليمية مهمة وعلى حساب الخليج … لن نفصل كثيرا عن “التخلي” الاميركي عن الحلفاء وتغيير السياسات عندما تهب رائحة المال والاسواق والصفقات في مكان ما .
5 _ ما ورد في بيان وكلمة الرئيس جوزف عون بعد انتخابه رئيسا للجمهورية ، حاز على اعجاب الكثيرين ، وعلى انزعاج البعض الاخر ، وخاصة حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر . ونحن لا نشك في صدق نوايا ورغبات فخافة الرئيس ، لكن حذار من “الغرق في شبر ماء” ، لأن المتضررون سيكونون كثرا ، ومنهم من انتخبه ، ولأن الامكانيات محدودة ، وصلاحيات الرئيس كذلك . ولأن “الحيلة هيي هالفتيلة” ، اي ان المشاكل متراكمة منذ عقود وخاصة في الثلاثين سنة الاخيرة ، وهي اكثر من ان تعد وتحصى ، اعتقد ان التواضع في التوقعات وفي النظرة الى ما يمكن تحقيقه هو المطلوب . لكن من دون اصلاح سيموت البلد وقد يندثر . فالاصلاح بات مطلبا ملحا وضروريا . ونحذر هنا من اية اتفاقات او صفقات او تعهدات قد تكون اعطيت من الداخل او من ضيوف الداخل .
_ ثالثا : المطلوب تكوين تيار شعبي متعدد الانتماءات والمنابت والمناطق يشكل عنصرا حاملا وداعما ومطالبا بالاصلاح .. ثم بالاصلاح … ثم بالاصلاح .. ومستعد للتضحية في سبيل ذلك .فلا اصلاح من دون برنامج حقيقي ، ومن دون حامل شعبي حقيقي لهذا الاصلاح … ومدى جذرية هذا الاصلاح تحدد مدى امكانية نجاحه.
مبارح طلع معي بعد ما سمعت كلمة فخامة الرئيس ، وما تضمنتها من تعهدات ، بأنه اذا تم تحقيق ما ورد فيها من افكار ، منصير فينا ننضم للاتحاد الاوروبي ، ومن دون امتحان .