كتب ابراهيم بيرم: منذ فترة ليست بالقصيرة اعاد حزب الله “السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال” الى دائرة الضوء مجدداً، ولكن من باب آخر غير الباب الذي انشئت من اجله، وهو المشاركة في عمليات عسكرية ضد الاحتلال.
المعلوم ان هذا الاطار العسكري (السرايا) قد اعلن الحزب اطلاقه في النصف الثاني من عقد التسعينات من القرن الماضي وتحديداً في عام 1997. حينها كانت عمليات المقاومة ضد الاسرائيليين في الجنوب المحتل في ذروتها، وتحقق انتصارات ترفع من معنويات جميع اللبنانيين.
في هذا المناخ الحماسي، علت اصوات تطالب الحزب بافساح المجال امام لبنانيين لا ينتمون اليه وليسوا من بيئته الطائفية الحاضنة للمشاركة في عمليات المقاومة المتصاعدة بدل ان تظل مقاومته مقفلة على نفسها ومسماة على طائفة بعينها.
وبالفعل، ما لبث الحزب ان اعلن عن انه يعدّ العدّة لاستقبال كل من يرغب في اداء دوره في مقارعة الاحتلال والانخراط في العمل المقاوم، ففتح معسكرات تدريب خاصة للراغبين واوجد اطاراً تنظيمياً لهم منها تشكيل قيادة عسكرية – سياسية متفرغة لادارة هذا الفصيل المساند.
وسرعان ما بدأت تصدر بيانات تكشف عن عمليات وهجمات نفذها عناصر من السرايا، ولقد ذكرت تلك البيانات ان هناك عناصر من هذه السرايا قد اصيبوا بجراح ولم يسقط اي من هذه السرايا.
ولم يطل الوقت حتى تحرر الجزء المحتل من الجنوب اللبناني، وانسحب الاحتلال وعملاؤه في ايار عام 2000. ولقد كان منتظراً ان يعلن الحزب حل هذه السرايا وتسريح عناصرها، ولكن ما حصل هو العكس اذ عمل الحزب لاحقاً على ابقائها بل سارع الى توسيع انتشارها وايكال ادوار اخرى لها غير قتالية خصوصاً في البيئات السنية لكي تكون بمثابة اطار رديف ومساند للقوى والشخصيات السنية المقربة من الحزب والدائرة في فلكه السياسي. وكان قسم كبير من عناصر هذه السرايا يعاملون كمتفرغين جزيئاً ويتقاضون رواتب ويشاركون في اجتماعات تنظيمية ويؤدي بعضهم مهمات محدودة.
وبعد الانقسام السياسي الحاد الذي شهده لبنان في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري شرع تيار المستقبل ومن ورائه قوى 14 اذار، بحملة تنديد بهذه السرايا باعتبارها طابوراً خامساً وخطراً كامناً طالباً بالتعجيل في حلها او سحبها من البيئات السنية تحاشياً لفتن ومشاكل، وقد سجلت مناوشات بين عناصر من التيار وعناصر السرايا.
وكان تركيز التيار اكثر ما يكون على السرايا في مدينة صيدا واسواقها الداخلية ولم يهدأ هذا الصراع الا بعد ان دخل زعيم التيار الرئيس سعد الحريري في تهدئة مع الحزب مبني على قاعدة ” ربط النزاع ” .
وطوال الاعوام العشرة الماضية، سحب موضوع السرايا من دائرة التداول والسجال، وبدا وكأن الحزب قرر اخراجها من الواجهة وحفظها بعيداً عن الاضواء .
وظل الوضع على هذه الحال الى اشهر عدة خلت، اذ فجأة اعيد الاعتبار لهذه السرايا و بدأت تظهر من جديد من خلال لقاءات وانشطة جماهيرية ينظمها الحزب اضافة الى فاعليات رعائية واجتماعية هنا وهناك، وهو ما اوحى بأن الحزب قد صرف النظر تماماً عن حل هذا الاطار بل بدا اكثر اصراراً على ابقائه اطاراً مستقلاً ودائماً كصلة وصل بينه وبين البيئات السنية خصوصاً.
والواضح ايضاً ان الحزب ينفذ قراراً ضمنياً بتعزيز حضوره وتوثيق صلاته مع البيئة السنية، خصوصاً وانه يستشعر كما كثيرين بأن هذه البيئة تواجه فراغاً واضحاً بعد قرار رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري تعليق النشاط السياسي والتنظيمي لهذا التيار واكتفائه بالحد الادنى من الحضور.
ويبدو جلياً ان الحزب قد تلقف هذا التطور، فسارع على طريقته في العمل على ملء هذا الفراغ من خلال انشطة اجتماعية وثقافية تنفذها السرايا في صيدا ومحيطها وعبر توزيع مساعدات متنوعة عبر جمعيات وشخصيات تتجانس معه سياسياً وخصوصاً في مناطق عكار والبقاع الاوسط.
والواضح ان الحزب يجد في السرايا وفي تلك الجمعيات صلة تؤمن له الوصل ببيئات انقطع عنها من جهة وتوفر له شبكة امان سياسي من جهة اخرى.
وحسب بعض التقديرات فإن الحزب يحقق تقدماً في هذه المساعي مظهراً ذلك في اعلامه.