كتب ابراهيم بيرم: ماذا بعد لقاء الدوحة والبيان الصادر عن “خماسية” الدول المشاركة فيه؟ واستطراداً، ما تأثير هذه المحطة على مسار السباق الرئاسي في لبنان؟
بعد وقت قصير على صدور بيان لقاء الدوحة، سرت في بيروت موجة تكهنات وتأويلات تكاد تكون لكثرة تشابهها، ان تكون صادرة عن جهة بعينها.
فحوى هذه الموجة ان لقاء العاصمة القطرية قد صار حدثاً مفصلياً طوى ما قبله وفتح بعده صفحة بيضاء من غير سوء.
ومن جملة المطوي وفق التأويلات عينها:
– خيار مرشح الثنائي الشيعي الحصري للرئاسة الاولى سليمان فرنجية، اذ بدا انه ذهب الى غير رجعة.
– المبادرة الفرنسية بنسختها الاولى على الاقل، ويفترض بناء عليه ان يعود الموفد الفرنسي الخاص الى بيروت ( ان عاد ) جان ايف لودريان، وهو يحمل في جعبته مبادرة بنسخة مختلفة وببنود مغايرة تخلو من بنود عديدة كانت وردت في النسخة الاصل، وذلك بفعل تأثيرات لقاء الدوحة نفسه، واستطرادا بفعل توجهات عضوي اللجنة السعودية والولايات المتحدة، لا سيما بعد ان قررت الاولى الخروج من سياسة النأي بالنفس، وبعدما انهت الثانية تفويض قيل انها اعطته لباريس بغية ايجاد حل للتأزم اللبناني المتمثل باسماء ستة معروفة.
– وعلى هذا تبدى استنتاج جوهره، ان السعي الدولي والاقليمي المتصل بالشأن اللبناني يتركز على القاعدة القديمة المعمول بها وهي ان كل جولات التأزم في للبنان يفترض ان تنتهي الى معادلة: لا غالب ولا مغلوب، وفي طيات هذه القاعدة، يكمن شطب متزامن لخياري فرنجية وجهاد ازعور.
– تحقق ذلك يعني الانتقال تلقائياً الى البحث جدياً عن المسار الثالث.
وليس خافياً ان اكثر المحتفين بهذه الفرضيات والاستنتاجات واكثر الساعين لترويجها وفرضها امراً حتمياً واقعاً كان خصوم الثنائي الشيعي ومن والاه سياسياً. والمرصود ان هذا الفريق وفي طليعته حزب ” القوات اللبنانية “، سارع الى تعميم استنتاج فحواه ان الثنائي قد اسقط بيده بعد لقاء الدوحة، وانه لن يجد تالياً من يشد من ازره ويراعي خواطره وهو الدور الذي لعبته المبادرة الفرنسية من ساعة انطلاقها، خصوصاً ان هذه المبادرة قد اخذت فرصتها واخفقت كونها كانت منحازة ولم تقدم ما يؤكد نزاهتها.
وبالعموم، حرص هذا الفريق على انتاج مقولة ان لقاء الدوحة انتج انقلاباً في الصورة وجب كل ما قبله من احتمالات وخصوصاً الدعوة الى طاولة حوار وطني، وهو طرح تخصص فيه ركني الثنائي ليبعد عن نفسه شبهة العرقلة وتهمة التعويق واطالة امد الازمة.
ولقد كان واضحاً ان ما اغرى هذا الفريق في التمادي على اطق تلك ” المرافعات السياسية ” المبشرة، بأن كفة خياراته قد باتت هي الطابشة والراجحة، فيما الاخر غارق في خيباته، هو سكوت عين التينة التي ما اعتادت سابقاً السكوت على هذا النحو، خصوصاً ان سيد هذا الصرح الرئيس نبيه بري كان الى الامس القريب، مبشراً بصوت عال بأن طاولة الحوار منتصبة في ساحة النجمة امر محقق يكاد يراه بعينيه.
وفي المقابل، فان حزب الله زاول سياسية التقية والاغراق في الصمت سيراً على المنوال الذي ينسج عليه دوماً امام اي طارىء يغاير حساباته.
وعليه، وبعد نحو خمسة ايام من سياسة عدم الاجابة عن اي سؤال من شانه الاضاءة على حقيقة موقف الثنائي حيال بيان لقاء الدوحة، سارع عدد من الاعلاميين الذين اعتادوا النطق بلسان الحزب والافصاح عن توجهاته المضمرة وتظهير مواقفه، الى اطلاق دفاع موحد فحواه الاتي: ان الحديث عن تحول في الموقف الفرنسي والدولي في ما خص موضوع السباق الرئاسي، لا يمكن ادراجه الا في خانة التحليلات والتمنيات، اذ ان البيان المنبثق عن لقاء الدوحة وان كان الاول من نوعه منذ ان ابصرت الخماسية النور كاطار سياسي، الا انه بيان فضفاض وحامل لأكثر من وجه واحتمال.
بطبيعة الحال، لم يشبع هذا الكلام الفضفاض جوع جمهور الثنائي الى معرفة ابعاد ما حدث في الدوحة لكي يصدر عن اركانه مثل هذا البيان، وان كان الشعور الجماعي الذي تملك هذا الجمهور هو ان ثمة تحولات دراماتيكية قد اطاحت بكل عمارة الحسابات التي بناها خلال الاشهر التسعة التي انقضت على الشغور الرئاسي.
ومما زاد في ضبابية الأمر ان ثمة متصلين بأوساط زعيم المردة عادوا اخيراً باستنتاج جوهره ان مناخات هؤلاء بدات تجنح نحو اليأس والاحباط.
وفيما ظل الزوار اليوميون لصرح عين التينة على نهج صمتهم طوال الايام الماضية التي انقضت على بيان الدوحة، مكتفين بجواب واحد وهو اننا لن نخرج عن صمتنا الا بعد ان يعود الينا لودريان شخصيا، فانه كان لافتاً الى ان حزب الله بادر خلال الساعات ال36 الماضية الى تجريد حملة دفاعات تقوم على القواعد الاتية:
– ان بيان الدوحة قد اوحى بتحولات ما سواء في المواقف الفرنسية او السعودية، واوحى ايضا بأن واشنطن التي يتهمها الحزب بادارة جمع ” التقاطعات ” حول المرشح جهاد ازعور بعدما كان ابلغ الى من يعنيهم الامر انه لن يكون مرشح تحد ومواجهة، قد نجحت الى حد كبير في فرملة اندفاعة باريس. الا ان هذا الانطباع الاولي لن يتوضح ويتكشف نهائيا قبل عودة لودريان الى بيروت المفترض ان تكون خلال الساعات المقبلة.
– شرع الحزب بعدها في العودة الى اطلاق مقولة ان الفريق الآخر يرفض التوافق لأنه لا يملك من الاساس مشروعاً توافقياً راغباً في ايجاد الحلول، لانه اسير اوهام المواجهة والصدام ويخطط لجر الامور الى مربع المواجهة.
وحيال ذلك كله، بدا الحزب مضطراً ان يقدم لقاعدته ما يطمئنه ويهدىء من روعه، فكان ان اطلق مقولة فحواها ان التحريض والتضليل لا يغيران في المعادلات ولا يبدلانها، لا بل يضيعان الوقت ويهدرانه، ولقد كنا نفترض ان الطرف الاخر قد تعلم من التجارب الماضية.