أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
في خضم الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، يظهر تشبيه “نظرية الحصان الميت” كأحد الأدوات لتوصيف الواقع الراهن، حيث تتجاهل القوى السياسية المتحكمة فشل سياساتها وتصر على التمسك بالوضع القائم. ومع ذلك، يبرز أمل جديد من خلال شخصيات مستقلة مثل علياء المبيض والدكتور علي مراد، اللذين يمثلان رؤى مغايرة للتغيير وبناء دولة مدنية قائمة على الكفاءة والشفافية.
نظرية الحصان الميت: قراءة في الواقع اللبناني
“نظرية الحصان الميت” (Dead Horse Theory) هي استعارة ساخرة تكشف عن أسلوب تعامل بعض الأفراد أو المؤسسات أو الشعوب مع مشكلة واضحة، حيث يفضلون الإنكار والمكابرة على الاعتراف بحقيقتها. الفكرة ببساطة تقول إنه إذا اكتشفت أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن الحل المنطقي هو أن تنزل عنه، لكن الواقع غالبًا ما يكون مختلفًا، حيث يلجأ الناس إلى إجراءات عبثية لتجنب مواجهة الحقيقة، مثل تغيير السرج، إطعام الحصان، عقد اجتماعات، أو حتى إعادة تعريف الموت نفسه.
هذا التشبيه ينطبق بشكل كبير على الوضع الحالي في لبنان، خصوصًا فيما يتعلق بتأثير حزب الله وحركة أمل على مسار تشكيل الحكومة. رغم أن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان يظهر بوضوح أن سياسات الثنائي الشيعي أصبحت عبئًا على البلاد، إلا أن هناك من يصر على تبرير وجودهما أو إدخالهما في الحكومة الجديدة.
بدلاً من الاعتراف بأن الثنائي فقد القدرة على تقديم أي حلول عملية، نجد محاولات مستمرة لإعادة تأهيل دوره، سواء من خلال طرح حلول شكلية كإعادة توزيع الحقائب الوزارية أو تغيير المسؤولين، أو عبر الترويج لفكرة أن المشكلة تكمن فقط في الآليات وليس في الأساسيات.
لكن الحقيقة واضحة: لبنان لن يتمكن من النهوض إلا بالاعتراف بأن “الحصان ميت”. أي أن الحل يبدأ من استبعاد حزب الله وحركة أمل عن الحكومة، وفتح المجال أمام كفاءات مستقلة قادرة على تقديم رؤية جديدة بعيدًا عن الهيمنة والسيطرة.
علياء المبيّض: نموذج للكفاءة الشيعية المستقلة
علياء المبيّض هي خبيرة اقتصادية لبنانية متمرسة في صياغة السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والمالية، تمتد خبرتها لأكثر من 25 عامًا. عملت في القطاع الحكومي والإدارة العامة، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الدولية والأسواق المالية ومراكز الأبحاث الاستراتيجية.
ظهور شخصيات مستقلة مثل علياء يثبت أن الطائفة الشيعية ليست رهينة بيد الثنائي الشيعي، وأن هناك إمكانيات حقيقية لتمثيل أكثر شمولية وفعالية يعكس التنوع والقدرات الحقيقية للشارع الشيعي.
الدكتور علي مراد: مواجهة الهيمنة برؤية قانونية
في هذا الإطار أيضًا يبرز اسم الدكتور علي مراد، وهو أستاذ مساعد في القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية منذ عام 2014. حصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة رين 1 في فرنسا، حيث تناولت أطروحته “تحولات السياسات الأوروبية في المتوسط من إعلان برشلونة إلى سياسة الجوار الأوروبي”. كما نال شهادة الماجستير في قانون الاتحاد الأوروبي وقانون منظمة التجارة الدولية من جامعة رين، وإجازة في القانون من الجامعة اللبنانية – الفرع الفرنسي.
انخرط الدكتور مراد في النشاط السياسي منذ شبابه، حيث انتمى إلى الحزب الشيوعي اللبناني. بعد عام 2000، ساهم في تأسيس حركة “طلاب شيوعيون”، التي كانت تعبيرًا عن اعتراض على قيادة الحزب آنذاك. لاحقًا، انضم مع رفاقه إلى ورشة تأسيس “اليسار الديمقراطي” قبل انتفاضة الاستقلال في عام 2005. منذ عام 2008، لم ينخرط في العمل السياسي الحزبي، بل نشط كشخص مستقل في قضايا سياسية وحقوقية، منها عمله في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات.
في عام 2022، ترشح الدكتور مراد للانتخابات النيابية اللبنانية عن دائرة الجنوب الثالثة، متحديًا الثنائية الشيعية المتمثلة في حركة أمل وحزب الله. أكد في مقابلاته أن ترشحه يأتي من منطلق السعي لتأمين مستقبل أفضل لأبنائه وللأجيال القادمة في لبنان، مشددًا على ضرورة تظهير المعركة الشخصية على المستوى العام.
يرى الدكتور مراد أن الانتخابات النيابية تشكل فرصة لإدخال قوى جديدة إلى المجلس النيابي، مما يتيح إمكانية الطعن في القوانين غير الدستورية والمساهمة في اختيار رئيس الجمهورية المقبل. كما يؤمن بأن التغيير لا يقتصر على الانتخابات فحسب، بل يجب أن يستمر النضال في الشارع وداخل المؤسسات الدستورية.
بالإضافة إلى مسيرته الأكاديمية والسياسية، يُعرف الدكتور مراد بنشاطه في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة، مؤكدًا على أهمية بناء دولة مدنية تحترم حقوق جميع المواطنين دون تمييز.
لا احتكار للوزارات ولا تعديل للدستور خارج الإجماع الوطني
مقدمة الدستور اللبناني: “لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً، عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، وعضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم بميثاقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما هو عضو في حركة عدم الانحياز. يجسد لبنان، بجميع أبنائه، قيم العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل. لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.”
هل نقول على الدستور السلام في عهد الرئيس سلام؟
في ظل تصاعد المطالبات بوزارة المالية كحصة حصرية للثنائي، هذه المطالبات تناقض بشكل صارخ روح الدستور اللبناني ومقدمته. فالدستور ينص بوضوح على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل، ويؤكد على أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
ولكن هل المطالبة بوزارة المالية بشكل حصري هو تمثيل لهذه القيم الدستورية؟ بالتأكيد لا. إن احتكار أي وزارة، وخاصة وزارة المالية، ليس فقط انتهاكًا لمبدأ المساواة بل هو تجاوز على الدستور نفسه. فإذا كان هذا هو المسار الذي يُراد السير فيه، فهل يعني ذلك أننا نقول على الدستور السلام في عهد القاضي نواف سلام؟
وزارة المالية وميثاق العيش المشترك
إن تحويل وزارة المالية إلى أداة بيد طرف معين يعني تعطيل ميثاق العيش المشترك الذي يعتبر أحد أسس الشرعية في لبنان. هذه الممارسات تؤدي إلى تمزيق النسيج الوطني وتعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية. لا يمكن لحكومة تعتمد على هذه السياسات أن تكون حكومة وطنية جامعة تعبر عن تطلعات اللبنانيين كافة.
ما هكذا تُورد الإبل
المسار الذي يُراد فرضه اليوم، والذي يقوم على تخصيص وزارات لطوائف أو أحزاب بعينها، ليس هو الطريق الذي يُعيد بناء لبنان. على العكس، هو مسار يرسخ الهيمنة ويعطل أي فرص لإعادة الإعمار أو تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن لبنان بحاجة إلى حكومة تعكس روح الدستور الذي يدعو إلى العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، لا إلى حكومات تُدار بمنطق المحاصصة الطائفية.
إذا أردنا لبنان جديدًا، فلا يمكن أن يتم ذلك عبر انتهاك القيم الدستورية التي تحكمنا. المطالبة بوزارة المالية كحصة حصرية هي خطوة تناقض مبادئ العدالة والمساواة، وتضرب ميثاق العيش المشترك في الصميم. ما هكذا تُورد الإبل، وما هكذا يُبنى وطن يليق بتضحيات أبنائه وتطلعاتهم لمستقبل أفضل.
لبنان يحتاج إلى حكومة تعترف بحقائق الواقع وتدفن الحصان الميت فالحصان ليس الطائفة، وعلى الحكومة تتصرف وفق مصلة ” لبنان اولاً؟، ، وليس حكومة تُصر على ركوب “الحصان الميت” وتبرير عجزه.
استبعاد حزب الله وأمل من الحكومة ليس إقصاءً، بل فرصة لإعادة بناء الدولة على أسس من الكفاءة والشفافية، بعيدًا عن سياسات الهيمنة التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع المتأزم.
هذا المقال هو دعوة لقراءة الواقع بعين العقل والعمل على تغيير حقيقي يمهد لنهوض لبنان من أزماته المتراكمة، والشعب اللبناني مدعو لقول كلمته في حال تم اللعب بمصيره من جديد فحزب لم يستطع انتشال جثث مقاتليه من تحت الركام بعد خمسين يوم من انتهاء الحرب لن يستطيع انتشتال لبنان من ازماته.
اللهم اني بلغت فإشهد.