كتبت عايدة الاحمدية: في زمن التدهور الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، يصطدم المواطنون اللبنانيون بمسؤولين يتسابقون إلى السلطة والمحاصصة وتجويع الناس بدلاً من التأسيس للأمان والاستقرار ومواجهة التحديات عبر اتخاذ إجراءات فورية وجذرية للخروج من هذه الأزمة.
في الواقع، ما نعيشه اليوم هو قصة حقبة مُظلمة من تاريخ طبقة سياسية فاسدة، عنوانها الانانية والمصالح الشخصية وعشق السلطة والتسلط والنهب والفساد والأداء السياسي السيئ. حقبة مسؤولين تعاملوا بخفة مع واقع اقتصادي مخيف تُبرز فظاعته الأرقام والمؤشرات المالية العالمية.
وفقًا لتوقع تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر الأول من حزيران الماضي، فإن ارتفاع الدين العام اللبناني سيصل إلى 550% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2027 بحال استمر الوضع القائم. ولم يقم المسؤولون بتنفيذ حاسم لخطة إصلاح شاملة.
ووفقًا للمؤشرات الدولية، فإن لبنان ماض في مساره الانحداري مع ما تعانيه المالية العامة من خلل كبير بين الإيرادات والنفقات، واحتياطي العملات الأجنبية، وبالتالي يرتقب أن يخسر لبنان كمية كبيرة من النمو في ناتجه المحلي الإجمالي الحقيقي “Real GDP Growth”.
الفقر المتعدد الأبعاد سيتوسع ليتخطى النسبة الحالية وهي 77% من الأسر اللبنانية. وحسب مؤشر “ليجاتوم للازدهار والرخاء العالمي”، فإن لبنان يشهد تراجعًا كبيرًا في الظروف المعيشية. فبعد أن كان لبنان بين عامي 2007 و2019 يحتل مراتب تتراوح بين 55 و45 عالميا، عاد وأصبح في العام 2022 في الدرجة 67، وفي العام 2023 انفجر الوضع أكثر، فانخفض تصنيفه إلى الدرجة 83.
وفي الجودة الاقتصادية، تدهورت مرتبة لبنان بشكل كبير. فبعد أن كان يحتل المرتبة 91 عالمًا في العام 2013، حل في المرتبة 143 في العام 2019، وأصبح في المرتبة 161 في العام الحالي.
وفيما يتعلق بإدارة شؤون الدولة والرقابة كانت مرتبه لبنان في التصنيف العالمي تدور حول المرتبة 150 بين عامي 2015 و2021 حتى اصبحت 165 عامي 2022 – 2023. اما تصنيف المؤسسات انحدر من المرتبة 75 الى 104
التطور التكنولوجي سجل ايضا تراجعا حسب مؤشر الأونكتاد UNCTAD للتكنولوجيا والابتكار، فبعد ان سجل لبنان العام 2021، 0.50 نقطة متفوقًا على المتوسط العالمي البالغ 0.44 حائزا المرتبة 63 دوليا و6 عربيا تراجع تصنيفه في العام الماضي الى الدرجة 77 عالميا والمرتبة 8 عربيا.
يعود هذا التدهور إلى سنوات عديدة من السوء في الإدارة والحكم، والتي أدت إلى تراكم الديون العامة والفساد المستشري. وعوَّض أن يتخذ المسؤولون اللبنانيون قرارات صائبة وإصلاحات جذرية تتطلبها البلاد، عمدوا منذ بداية الازمة الاقتصادية إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة وعشوائية ساهمت في تفاقم الوضع، كالقرار الذي اتخذته حكومة الرئيس حسان دياب بالامتناع عن سداد الديون، فضلاً عن برنامج الدعم الذي استنزف احتياطي مصرف لبنان وكلفه 20 مليار دولار، وذهب قسم كبير منها هدرًا وسرقة وتهريب.
أما الأموال المخصصة للمشاريع الإنمائية والبنى التحتية انتهت في جيوب بعض المسؤولين، بينما تُركت المشاريع على أرض الواقع دون إكمالها. ولن ننسى قيام المسؤولين بسحب أموالهم من المصارف وتهريبها إلى الخارج في حين حُرم المواطنون العاديون من التصرف بودائعهم، وها هم اليوم يضعون الخطط والدراسات لتحميل المودعين نتائج الانهيار. ولعل أكثر ما يؤلم الشعب الذي يدفع فاتورة هدر وفساد مسؤوليه هو تجاهل من اختاروهم لتمثيلهم وصون حقوقهم، حجم معاناتهم.
أن هذه الأزمة ليست محصورة في المجال الاقتصادي فحسب، بل امتدت لتؤثر أيضًا على الجوانب الاجتماعية والصحية والأمنية، وزادت التوترات الاجتماعية والاحتجاجات المستمرة. وما يعزز من مأساة الأزمة الحالية هو عجز المسؤولين اللبنانيين عن التعاطي الجاد مع الحلول الممكنة.
في الختام لا بد من الإشارة الى إن استمرار التجاهل وتغليب المصالح الشخصية على مصلحة البلاد لن يجلب سوى مزيدٍ من الدمار والانهيار.