كتب جورج حايك:
يراهن “الممانعون” على تبدّل في الموقف السعودي على صعيد الملف الرئاسي في لبنان أو الإتجاه إلى صفقة بين السعودية وايران أو السعودية وسوريا على لبنان، بحيث يصبح أصدقاء السعودية في لبنان معزولين ويتخبطون بموقف ضعيف، فتخف قدرتهم على المواجهة، ويستسلمون للأمر الواقع الذي يحاول حزب الله فرضه.
لا شك في ان هذه المقاربة تمسّك بها “حزب الله” منذ الاتفاق السعودي – الايراني، لكن لم تتبلور فعلياً وبقيت أضغاث أحلام، مع ذلك لم يتخل الثنائي الشيعي عن مرشحه سليمان فرنجية ولا يزال حتى اليوم.
وقد جاء كلام السفير السعودي السابق علي عواض العسيري اول أمس لـLBC ليحمّل كل القوى السياسية مسؤولية الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية، مبرئاً ايران من العرقلة. وقد فهم البعض ان هذا الموقف يعبّر عن تخلي السعودية عن اصدقائها في لبنان، نتيجة العناد المتبادل مع “حزب الله”، واعتبر انه موقف متقدم إذ حمّلت السعودية على لسان السفير السابق المسؤولية لكل القوى بالتوازي مع “الحزب”، علماً ان المعارضة قامت بواجبها في كل الجلسات الانتخابية، وكان من الواضح ان الثنائي الشيعي لعب دور المعطّل من خلال انسحاب نوابه من الجلسات قبل الانتقال إلى الدورة الثانية!
لكن في الواقع هذه التأويلات التي يبني عليها “الحزب” أحلامه وأوهامه، لا تبدو منسجمة مع الواقع. فالسعودية تعلم أن ايران سلّمت الملف اللبناني لـ”الحزب”، وهو خير ممثّل لها في لبنان ويعمل لمشروعها علناً ومن دون خجل، وحتى ان عسيري اعترف في المقابلة التلفزيونية ان ترشيح فرنجية وجهاد ازعور بات من الماضي، متمنياً اختيار رئيس يقبله الداخل والخارج على السواء. وتكلّم عن عقوبات على من عرقل المسيرة السياسية، وهو بات معروفاً، ويتمثّل برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يخالف الدستور بإمتناعه عن إبقاء الجلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس!
واللافت ان هذا الموقف يلتقي مع بيان اللجنة الخماسية الذي أقرّ الجميع أن صبغته حملت تشدداً أميركياً واضعاً الى حد مطالبة الثنائي الشيعي بالحوار وتمسّكه بفرنجية. وليس سراً ان السعودية تميّز في تعاطيها مع الملف اللبناني بين “حزب الله” وايران، وهي تجهد للمحافظة على اتفاق بيكين، ولو انه لم يحقق مكتسبات كبيرة حتى الآن، إلا أنه أبقى أواصر الاتصال مفتوحة بين الدولتين الاقليميتين الكبيرتين، لا سيما ان المصلحة السعودية العليا ورؤية الأمير محمد بن سلمان الاقتصادية الانمائية تقتضي تهدئة الأجواء مع ايران.
أما على صعيد لبنان، فليس حقيقياً ما يوحي به “الممانعون” بأن السعودية تخلت عن اصدقائها، والأيام المقبلة ستشهد توحيداً للموقف السياسي السني من الاستحقاق الرئاسي يقوده المفتي عبد اللطيف دريان، بدفع سعودي واضح. وما لا يعرفه “الممانعون”، ان القيادة السعودية تحترم كثيراً أصدقاءها ولا تفرض عليهم خياراتها، انما يجري التشاور على كل الصعد، وهي تحترم سيادة لبنان ومواقف القوى السياسية فيه حتى الذين يناصبونها العداء، فكيف بالأحرى الاصدقاء؟
وأول من قد يتبادر إلى الأذهان هو المكوّن الأقوى والأكبر في المعارضة أي “القوات اللبنانية” التي لا ترى اختلافات جذرية مع السعودية في الملف الرئاسي رغم الاتفاق السعودي – الايراني، وهناك تفاهم بأنه لو حصل اختلاف في وجهات النظر في بعض الأمور، فهي لن تفسد في الود قضية. علماً ان موقف “القوات” على صعيد ترشيح فرنجية او أي مرشّح للمانعة لن يتأثر بالسعودية او غيرها، فهو موقف مبدئي لا رجوع عنه، لأن السعوديين يعرفون “أن أهل مكة أدرى بشعابها”.
ما يحلم به “حزب الله” يبدو بعيد المنال، بل غير واقعي، مما سبّب له الأحباط مرات عدة، لذلك فهو يردّ بـ”العناد”، ويرفض أي تدخل خارجي عندما لا يصب في مصلحته، ويلتزم الصمت عندما يصبّ في مصلحته. ولا يختلف اثنان على أن “الحزب” ينتظر صفقة خارجية كبيرة تعطيه مكاسب واضحة على صعيد الداخل ليسهّل عملية انتخاب الرئيس، لكن ما لا يريد أن يفهمه أن الزمن الأول تحوّل، وهناك توازنات في الداخل، حتى ولو قبل الخارج، لن تسهّل له مهمته، بل ستعارضه حتى النهاية. وقد أثبتت “القوات” التي تشكّل العمود الفقري للمعارضة أن نفَسَها طويل، وتقف رأس حربة في مواجهة مشروع “الحزب”، ولن تسمح له بالسيطرة على لبنان وقتل هويته التعددية والحضارية.