كتب حلمي موسى يسعد مساكم صباحكم وأمل يكبر بقرب الفرج وزوال الاحتلال.
تبدو الادارة الامريكية هذه الايام في عجلة من امرها لحسم قضايا جوهرية في منطقتنا. ورغم أن الحديث حتى الآن يتركز على استمرارية اتفاق وقف النار وايصال اتفاق تبادل الاسرى الى مرحلته النهائية الا ان الاتصالات مشربة بروحية مغايرة. ويقف على رأس هذه الروحية أمران من جهة وثالث من جهة أخرى. وللتسهيل فإن الامر الثالث يتصل بايران حيث تسعى إسرائيل الى دفع اميركا الى ضرب المشروع النووي الايراني واخراج ايران من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي. وعلى هذا الصعيد هناك اشارات امريكية متعددة انه وخلافا لطموح اسرائيل لا تريد امريكا التورط في هكذا مشروع على الاقل في المستقبل المنظور. وحتى ان وفرت ادارة ترامب لاسرائيل وسائل التهديد من طائرات وصواريخ فإنها لا تبدو مشجعة على هجوم كهذا حاليا. لذلك تتجه الانظار أكثر نحو الامرين الآخرين.
واول هذين الامرين اصرار الرئيس الامريكي على موقفه بشأن التهجير “الطوعي” للفلسطينيين الى دول بعيدة وقريبة. احيانا يعرض الامر على أنه مؤقت بهدف تسهيل اعادة اعمار غزة. احيانا يعرض كمسعى انساني لتجنب مخاطر الانفجار السكاني. واحيانا اخرى يعرض كمشروع عقاري يهدف الى استثمار خصوصية هذا القطاع الساحلي وتحويله الى ريفيرا جديدة طبعا من دون اهله.
وطبيعي ان يروق هذا الكلام للاسرائيليين عموما ولليمينيين منهم على وجه الخصوص. فحديث رئيس اقوى دولة في العالم عن التهجير يوفر تبريرا مقنعا لمنهجية الطرد والترانسفير التي تؤمن بها قوى اليمين كما يريح إسرائيل عموما من هم غزة التي اغلب سكانها اصلا لاجئين طردوا من قراهم ومدنهم العام ١٩٤٨ عند نكبة فلسطين. وتهجير غزة يشطب الشاهد الحقيقي على جريمة النكبة ويزيح حق العودة عن الاجندة السياسية. ويترافق هذا مع الجهد المبذول للقضاء على وكالة الاونروا.
والادهى ان ترامب وان تحدث في البداية عن اندونيسيا وبعدها عن البانيا كدول يمكن ان تستوعب اهالي غزة المهجرين عاد وطرح مصر والاردن كدولتين مستهدفتين. ولم يقصر في اطلاق تهديدات تلميحية لهما تتعلق بالمعونة الامريكية السنوية والتي يريد مقابلها تسهيل التهجير. وربما ان ترامب يعتقد أن الاردن حلقة اضعف من مصر على هذا الصعيد فآثر دعوة الملك عبد الله الثاني لتجريب ضغوطاته.
ويعرف حتى الاسرائيليون ان فرص نجاح تهجير طوعي ضعيفة جدا خصوصا وان إسرائيل بذلت جهودا جبارة على هذا الصعيد وفشلت.
الامر الثاني الذي تحاول ادارة ترامب تحقيقه هو استكمال دائرة التطبيع والاتفاقات الابراهيمية وخصوصا مع السعودية. ولكن ذلك يتطلب تلبية اسرائيل لاحد الشروط الهامة وهو فتح نفق نحو تسوية سياسية تنتهي بحل الدولتين. وهناك في اسرائيل قوى مختلفة مستعدة للسير بشكل او بآخر في هذا المسار لكن ليس بينها نتنياهو واليمين. وهذا ما يجعل تحقيق ذلك قريبا امر بالغ الصعوبة الا اذا تراجعت السعودية عن شرطها او تخلى نتنياهو عن جلده. ومع ذلك ووفق منهجية دأبت عليها اسرائيل منذ عقود فإنها مستعدة لعدم قول لا جازمة ومواصلة مفاوضات لا تقود الى اي نتيجة. انها منهجبة ادارة النزاع وعدم التوجه نحو حسمه استنادا الى قناعة بان ما لا يمكن تحقيقه لصالح اسرائيل في الظرف الراهن يمكن تحقيقه لاحقا مع تغير الظروف.
وهذا يقودنا الى مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار وتبادل الاسرى. وواضح ان ادارة ترامب ترغب في استمرار تنفيذ الاتفاق وتطويره ما يعني ان لا عودة قريبة للحرب بشكلها الواسع. وهذا يخالف ما يريده زعيم الصهيونية الدينية سموتريتش وحتى ما اعلنه رئيس الاركان الجديد ايال زامير عن ان سنة ٢٠٢٥ هي سنة حرب. وهذا يعني في الغالب ميل للتهدئة في القطاع مع تشديد للحملات العسكرية في الضفة وربما صدامات معينة في سوريا اذا لم ينفجر اتفاق وقف النار في لبنان.
وطبعا التهدئة في غزة مشروطة ايضا بحل مشاكل اعادة الاعمار ما يخلق ارتباطا بالتسوية الاشمل والتي بين شروطها الاسرائيلية القضاء على حكم حماس في غزة. وهنا ندخل بيت التعقيدات والتناقضات التي يصعب العثور على تسويات بينها.
وبحسب مراسلة القناة 12 في التلفزيون الاسرائيلي فإن
كبار المسؤولين في إسرائيل يقولون إنه من خلال المحادثات مع مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، تَبيَّن أن التطبيع هو على رأس أولويات الإدارة الأمريكية – نتنياهو يرغب في التقدم، لكنه يبحث عن طريقة لإرضاء شركائه أيضًا.
وأنهم في إسرائيل، يرغبون في حزمة تشمل فرض السيادة على أجزاء من الضفة الغربية على غرار “صفقة القرن”، بحيث يكون لدى سموتريتش حافز دراماتيكي للبقاء في الحكومة وضمان استمرارها طوال العملية.
ولكن فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من صفقة التبادل، ستحاول إسرائيل تجنب الإعلان عن إنهاء الحرب، وبدلًا من ذلك، ستسعى إلى تحقيق وقف إطلاق نار طويل الأمد، يتم خلاله استمرار عملية تبادل الأسرى، ولكن بطريقة تتيح لها إمكانية استئناف القتال في المستقبل إذا لزم الأمر.