أخباركم – أخبارنا/ صلاح بدر الدين
يرى الكاتب والسياسي الكردي السوري صلاح بدرالدين أنّ سوريا تحوّلت منذ أكثر من نصف قرن في ظل نظام البعث إلى سجن كبير، حُرم فيه السوريون من الحرية، والعيش الكريم، وتعرضوا لمختلف أنواع القهر، والقمع، والاعتقال الكيفي، وعندما انتفضوا بشكل سلمي في سياق ثورات الربيع التي اندلعت في معظم بلدان المنطقة ومن خلال التظاهرات الاحتجاجية من أجل الخلاص، ناشدين الحرية والكرامة، قُمعوا بالحديد والنار، والتدمير، والإبادة، حيث استخدم نظام الأسد كل إمكانيات الدولة العسكرية، والأمنية، ومواردها الاقتصادية ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى انتهاكه للسيادة باستقدام جيوش الدول الأجنبية، والميليشيات المذهبية لاستكمال حرب الإبادة والتقتيل، والتهجير.
وبعد نحو أربعة عشر عاماً من اندلاع الثورة السورية، وبعد أن واجهت العديد من التراجعات، والانتكاسات – لسنا بصدد مراجعتها الآن – فقد توجت بإقدام فصائل عسكرية ثورية، وفي ظل ظروف محيطة مواتية بتحرير المدن السورية الرئيسية انتهاء بالعاصمة دمشق في الثامن من كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤، وسقوط نظام الاستبداد بعد أكثر من نصف قرن، وانبثاق سوريا الجديدة.
يتابع بدرالدين قائلاً: معلوم أنّ هناك جملة من التحديات الحقيقية تواجه العهد الجديد، ومن أبرزها: أولاً: بداية لا بدّ من التأكيد أنّ ما بناه نظام الاستبداد طيلة خمسين عاماً من قواعد بنى تحتية، ومؤسسات في المجالات العسكرية، والأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والحزبية، والإدارية، لا يمكن تغييرها في غضون أسابيع وأعوام ، ومن جانب فصائل محددة، بل يحتاج الأمر إلى المزيد من الوقت، وإلى التعاون بين مختلف القوى والأطراف، والمكوّنات التي شاركت في الثورة والمعارضة، بل يحتاج أيضاً إلى المشاركة الشعبية العامة التي لها مصلحة في إرساء نظام وطني ديمقراطي يرعى مصالح الغالبية الساحقة من الشعب السوري، ويحقق الأمن والاستقرار والسلام المجتمعي.
ثانياً: قد تكون الإدارة الجديدة محقة بشأن ضرورة توفر الانسجام بين الفريق الحاكم لفترة معينة إلى حين استتباب الأمن، وإنجاز بعض الخطوات ذات الطابع العسكري – الأمني، والإداري الخدماتي، ولكن من الأفضل أن لا تطول هذه المدة أكثر من اللازم.
ثالثاً: لا نكتشف جديداً بخصوص التحديات الماِثلة، فقد كان من صلب أهداف الثورة السورية (المغدورة) إسقاط الاستبداد، وهو ما تحقق كخطوة أساسية مفتاحية أولى.
رابعاً: أما التحديات الأخرى التي تتطلب المواجهة مثل تحقيق الحرية، والكرامة وإجراء التغيير الديمقراطي، وتطبيق العدالة، ومحاسبة من تلوثت أياديهم بدماء السوريين، وإعادة البناء، والإعمار، وعودة المهجرين، والنازحين، ووضع حد لسلطات الأمر الواقع المعلنة هنا وهناك، واستلام جميع أنواع الأسلحة خارج نطاق سلطة الدولة، وضم كل المناطق إلى سلطة الدولة السورية الحرة، بالتوازي مع مغادرة كل الجيوش الأجنبية المحتلة، والسيطرة على جميع المطارات، والمعابر الحدودية، وتوفير مقومات التنفيذ مثل إعادة بناء القوى العسكرية، والأمنية بعقيدة جديدة تنسجم مع مرحلة الحرية والسلم، نقول إنّ إنجاز هذه المهام يحتاج إلى مشاركة كل المكوّنات، وجميع التيارات السياسية الوطنية المناضلة من أجل الحرية والتقدم وبناء سوريا الجديدة.
خامساً: بعد عودة السوريين إلى بلادهم من مواقع الهجرة والشتات، من الضرورة بمكان إجراء إحصاء سكاني عام لمعرفة حقيقة العدد الإجمالي للسوريين، ونسب مكوّناتهم القومية، والاجتماعية، والثقافية، وعلى ضوء ذلك يتم الاستجابة للاستحقاقات الدستورية، والقانونية، والإدارية في سوريا الجديدة.
سادساً: حل القضية الكردية السورية بشكل ديمقراطي سلمي من أهم التحديات التي تواجه سوريا الجديدة، مع الأخذ بعين الاعتبار طوي صفحة، بل تجاوز ما حصل بشكل استثنائي منذ أربعة عشر عاماً، من جانب قوى، وأحزاب (كردية!) أيديولوجية، مرتبطة بالخارج، (هناك تجربة مماثلة على الصعيد السوري) أضافت تعقيدات مضاعفة إلى قضايا الكرد السوريين، بل حرفت المسألة عن مسارها الديمقراطي الإنساني الصحيح، فالخارطة السياسية للحالة الكردية السورية الخاصة تؤكد على حقائق جديدة وأهمها عدم مقبولية تحكم الأحزاب، وادعاءاتها الباطلة (بتمثيل شرعي وحيد) للكرد السوريين، وازدياد أعداد الوطنيين المستقلين خارج أطر الأحزاب إلى درجة الغالبية الساحقة، هذه الغالبية تشكّل الآن – الكتلة التاريخية – التي انخرطت بالثورة السورية، وربطت قضاياها بمصير الوطن، بعكس معظم أحزاب طرفي (الاستعصاء) في الساحة الكردية السورية التي حملت ومازالت تحمل الأجندة الخارجية، بل قسم منها يدعو إلى تدخلات خارجية من جانب أطراف لم تكن يوماً صديقة للكرد ولا لعموم السوريين، ومن حق هذه الكتلة التاريخية على الإدارة الجديدة المزيد من الرعاية، وقبولها كطرف كردي سوري وطني محاور، وشريك أساسي في إعادة بناء الوطن، وتحمل المسؤوليات.
وفي ختام حديثه، يؤكد بدر الدين أنه على السوريين جميعاً أمام الامتحان، ولا شكّ أنّ اتحادهم كفيل بتحقيق الانتصار النهائي.