أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
بيروت – بين التعثر الحكومي وفرض وقائع سياسية جديدة
تمرّ عملية تشكيل الحكومة اللبنانية بمرحلة شديدة التعقيد، مع تصاعد الخلافات حول التمثيل السياسي، واحتدام الصراعات بين القوى الحزبية والطائفية، الأمر الذي يعكس عمق الأزمة التي يعيشها لبنان منذ سنوات. وبينما كان من الممكن استغلال لحظة تكليف الرئيس المكلّف سلام لفرض حكومة تكنوقراط حقيقية، تم التراجع عن هذا الخيار لصالح إدخال الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) في التشكيلة الحكومية، ما يطرح تساؤلات حول الهدف الحقيقي من هذه الخطوة، وما إذا كانت تهدف إلى الهروب من الهزيمة السياسية وفرض واقع جديد يعزز من سيطرة الحزب على مؤسسات الدولة ويحمي سلاحه.
أولاً: تعثّر التشكيل والصراع على التمثيل الطائفي
منذ تكليف الرئيس سلام بتشكيل الحكومة، برزت عدة أزمات رئيسية أعاقت ولادتها، أبرزها الخلافات حول التمثيل السني والمسيحي، إضافة إلى الصراع حول توزيع الحقائب الوزارية بين القوى السياسية.
1. أزمة التمثيل السني: تجاهل الكتل واستفزاز دار الفتوى
كان واضحًا أن الرئيس المكلّف قرر تجاوز الكتل النيابية السنية وعدم إشراكها فعليًا في التفاوض على الحصص الوزارية، حيث رفض التواصل مع عدد كبير من الشخصيات السنية، بل حتى أنه تجاهل وساطة رئيس الحكومة السابق تمام سلام، الذي حاول التوسط لحل الأزمة.
• هذا التجاهل دفع الكتل السنية إلى التهديد بعدم منح الثقة للحكومة، ما يعكس حجم الأزمة داخل هذا المكوّن.
• زاد التوتر مع طرح أسماء غير متفق عليها، مثل حنين السيد، ما دفع دار الفتوى إلى الاعتراض رسميًا على الخيارات المطروحة.
2. الأزمة المسيحية: إقصاء الأحزاب الكبرى وفرض شخصيات غير متفق عليها
لم تكن الكتل المسيحية بمنأى عن الأزمة، حيث رفضت القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر منح الرئيس المكلّف حرية فرض أسماء في حصتهما الوزارية.
• سلام حاول فرض أسماء مثل جو صدي وكمال شحادة، اللذين لا ينتميان لأي من القوى المسيحية الفاعلة.
• التيار الوطني الحر أبدى امتعاضه من تناقض سلام، حيث بدا منفتحًا في الاجتماعات الخاصة، لكنه عاد وتراجع عن الاتفاقات عندما بدأ الحديث عن توزيع الحقائب.
• حزب الطاشناق أيضًا اعترض على الأسماء المطروحة لتمثيل الطائفة الأرمنية، ما يعكس حجم الاحتقان داخل الكتل المسيحية.
ثانياً: لعبة إدخال حزب الله وأمل للحكومة – تكتيك سياسي لحماية السلاح
وسط هذه التعقيدات، بدا واضحًا أن الهدف الحقيقي من تشكيل الحكومة لم يكن تحقيق الاستقرار أو حلّ الأزمات المتراكمة، بل كان إدخال الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل) ضمن الحكومة كوسيلة لتفادي العزلة السياسية، والتمسك بالسلاح تحت غطاء الشرعية الحكومية.
1. تهرّب من الهزيمة وإعادة ترتيب الأوراق
• بعد الضغوط الدولية والمحلية المتزايدة على حزب الله، خصوصًا بعد الأزمة الاقتصادية والانفجار السياسي الذي رافق أحداث 17 تشرين، بات الحزب في موقع دفاعي.
• كان الخيار الوحيد للحزب هو فرض نفسه داخل الحكومة لتجنب أي حكومة تكنوقراط قد تسعى إلى إعادة طرح مسألة السلاح أو الحد من نفوذه.
• دخول الحكومة يمنح الحزب حصانة ضد أي قرارات قد تتخذها الحكومة المقبلة لتغيير المعادلات الأمنية والسياسية.
2. فرض معادلة جديدة في لبنان
• عبر دخوله إلى الحكومة، استطاع حزب الله شرعنة وجوده العسكري والسياسي، حيث يمكنه التحكم في القرارات الأمنية والسياسية من الداخل، ومنع أي خطوة قد تستهدف سلاحه.
• استطاع الحزب أن يجعل “المقاومة” جزءًا من البيان الوزاري، مما يمنحه غطاءً شرعياً يمنع أي محاولة محلية أو دولية لنزع سلاحه.
3. تعطيل أي قرار قد يمسّ بسيطرته
• بوجوده داخل الحكومة، يستطيع الحزب تعطيل أي قرارات حكومية قد تؤثر على موقعه، سواء عبر الفيتو داخل مجلس الوزراء، أو من خلال التحالف مع حركة أمل وحلفائه من التيار الوطني الحر.
• يمكنه التأثير على تعيينات الأجهزة الأمنية، وضمان ولاء القيادات الأمنية والعسكرية له، مما يمنع أي قرارات غير مرغوبة من الدولة تجاه سلاحه.
ثالثاً: هل كان خيار حكومة تكنوقراط ممكناً؟
في ظل هذه الحسابات السياسية، يبدو واضحًا أن خيار حكومة تكنوقراط غير سياسية كان الفرصة الوحيدة لإنقاذ لبنان من حالة الشلل السياسي المستمر، لكنه لم يتحقق بسبب الضغوط الداخلية والخارجية التي فرضت العودة إلى المحاصصة السياسية.
1. استغلال لحظة التكليف لفرض حكومة أمر واقع
• كان يمكن لسلام والرئيس جوزيف عون أن يطرحا حكومة مستقلة بالكامل منذ البداية، مستفيدين من الزخم السياسي والشعبي الذي رافق التكليف.
• هذا الخيار كان سيحظى بدعم دولي قوي، لا سيما من الدول الغربية والعربية التي تطالب بحكومة إصلاحية غير خاضعة للأحزاب السياسية.
2. تقليص نفوذ الأحزاب وإضعاف قدرتها على فرض أجندتها
• حكومة تكنوقراط كانت ستحدّ من قدرة حزب الله وأمل على التحكم في القرار السياسي، وتجبرهما على التعامل مع الحكومة من موقع المعارضة، بدلاً من فرض سيطرتهما من الداخل.
• كانت ستكشف أمام الرأي العام من هي القوى التي تعرقل الحلول وتصر على إبقاء لبنان رهينة المحاصصة السياسية.
الخلاصة: الحكومة كأداة لحماية سلاح حزب الله وليس لحل الأزمة
• إدخال الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل) إلى الحكومة لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل كان تحركاً استراتيجياً لضمان استمرار سيطرة الحزب على مفاصل الدولة اللبنانية، وشرعنة سلاحه تحت غطاء حكومي رسمي.
• بينما كانت الفرصة سانحة لفرض حكومة تكنوقراط غير سياسية، فإن الضغوط الحزبية، والضعف السياسي لدى الرئيس المكلّف، جعلت هذا الخيار مستحيلاً.
• النتيجة: حكومة مشلولة قبل أن تتشكل، غير قادرة على تنفيذ أي إصلاحات، ومحكومة بميزان القوى الذي يفرضه حزب الله وحلفاؤه.
إلى أين يتجه لبنان؟
مع استمرار العرقلة السياسية وتزايد الاستقطاب، يبقى لبنان أمام مشهد سياسي قاتم، حيث لا حلول تلوح في الأفق، بينما تستمر القوى المتحكمة في فرض معادلاتها، مما يعمّق الأزمة ويجعل أي تغيير جذري شبه مستحيل في المدى القريب.
إدخال الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل) إلى الحكومة يتناقض مع تنفيذ القرار 1701، الذي ينصّ على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ومنع أي وجود مسلح خارجها جنوب نهر الليطاني. ويتناقض مع خطاب القسم الذي أشار لحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.
• مشاركة حزب الله في الحكومة تمنحه غطاءً سياسياً وشرعياً، ما يعقّد أي محاولة لنزع سلاحه أو فرض سلطة الدولة الكاملة على الجنوب.
• القرار 1701 يدعو إلى وقف الأعمال العدائيةبين لبنان وإسرائيل، لكن وجود الحزب داخل الحكومة يعزز ارتباط الدولة بسلاح المقاومة، مما يعطل التنفيذ الفعلي للقرار.
• بدلًا من توحيد القرار العسكري بيد الجيش اللبناني، يكرّس دخول الثنائي إلى الحكومة معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”، وهو ما يعزز نفوذ الحزب داخل الدولة ويجعل من المستحيل تطبيق القرار الأممي بشكل كامل.