كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1939 على بدء ثورة الكرامة
ليس نواف سلام عنوان الأزمة، وحملات التجني المبرمجة والمدفوعة عموماً التي تستهدفه، أعجز من أن تغطي مسؤولية التحالف المافياوي السياسي المصرفي الميليشياوي عن أخذ لبنان إلى الحضيض. وأعجز من ان تحجب إصرار الفاسدين على تعويم نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، من باب تشكيل الحكومة بعدما فرض عليهم الإنحناء مرتين: الأولى بإنتخاب جوزاف عون رئيساً والثانية بتكليف نواف سلام تأليف حكومة العهد الأولى، وكلاهما من خارج منظومة الفساد والنهب والقتل وتدمير البلد وإذلال الناس!
ما لا يجب أن يغيب ولا لحظة أن الإنسداد الراهن والإنهيار الكبير، والإمتناع لسنوات طوال عن أي خطوة تكبح الإنهيارات المتلاحقة مبرمج ومنظم ومفتعل من قوى الإستبداد إياها المهيمنة على برلمان عقيم. برلمان كان رأس الحربة في تغطية أخذ البلد إلى حرب دمرته وعاش إجازة مفتوحة مدفوعة من جيوب الناس 15 شهراً ولم يسأل ليش في حرب. برلمان إستمكل ما قام به سابقه لجهة مواصلة حملات تحميل المواطنين الموجوعين، وبالأخص المودعين، ثمن المنهبة وإفقار البلد، وهو الجهة التي تستكمل نهج منع الحقيقة ومصادرة العدالة والمحاسبة عن التفجير الهيولي لبيروت.
ومن لحظة تكليف نواف سلام لتأليف حكومة تضع خطابي القسم والتكليف في التنفيذ، وتكون أولويتها التطبيق الكامل للقرار الدولي 1701 لـتامين أمن مستدام، على قاعدة إحتكار حق حمل السلاح بالقوى الشرعية وحدها، ما يفتح الباب لمساعدات جدية تطلق عملية إعادة الإعمار، التي ستسغرق سنوات لضمان عودة غير مشروطة للناس.. وتوازياً وضع البلد على سكة التعافي وإستكمال الإصلاحات السياسية والقضائية، لأنه بدونها لا يمكن أن ينجح أي إصلاحٍ أقتصادي ينبغي أن يقوم على المحاسبة والمساءلة أمام قضاء مستقل وعادل.. حتى بدأت طقوس المحاصصة الطائفية ومحاولات تناتش المقاعد في الحكومة لإبقاء البلد أسير قوى الإستبداد. هنا وقع خطأ الرئيس المكلف نواف سلام الذي لم يبرر كيف أدخل عملية التأليف إلى جحيم التحاصص الطائفي؟
الحكومة التي يريدها الناس اليوم هي حكومة تأسيسية لإخراج البلد وأهله من كل هذه المآسي، والنهوض مجددا من تحت الركام وتراكم الإهتراء. إنها تعادل من حيث الأهمية الحكومة الرباعية عام 59 التي قادها فؤاد شهاب باني الدولة الحديثة في لبنان. وعملية التأسيس لا يمكن أن تتم من خلال تبديل الأقنعة، فيقدم كل متزعم باسم طائفته قائمة من الأسماء ملزم الرئيس المكلف أن يختار من بينها. فيما أن المطلوب حكومة الصدمة الإيجابية كي تستعيد ثقة الداخل وإحترام الخارج. أما ما يدور الآن ويجري تداوله من أسماء، فإن المحاصصة الطائفية فاقعة، ومن الآخر تقديم ترضية لحزب القوات كمقابل بقاء وزارة المال مع حركة أمل لا يعني أن البلد على متن قارب النجاة. ومن الآخر، مهما حرص نواف سلام على تضمين تركيبة الحكومة بنوعية من النخب، فإن وزر المحاصصة الطائفية سيثقل الحكومة، التي مع تكرار الوجوه الأقنعة لن تكون حكومة زمن واعد بعد الزلزال اللبناني والزلزال السوري. كفى الترويج عن مكاسب ونجاحات ونصائح عن تغيير “حبة حبة”، فأي تغيير هو مع هذه المحاصصة الطائفية، وبين أبرز عناوينها بقاء وزارة المال مع حركة أمل، الجهة التي تقدمت سواها عبر هذه الوزارة لإستباحة المال العام ووصد الأبواب على إستكمال التدقيق الجنائي وو .. أما مديح الشخص المتوقع تسلمه المالية، وإكتشاف مكانته في التشريع فهزلت. لقد أمضى 20 سنة في لجنة المال والموازنة المكان الذي صيغت فيه سياسات تدمير حياة اللبنانيين، وحماية الكارتل المصرفي السياسي الناهب وهو من رموزه، كما أنه كان عضواً أصيلاً في لجنة تقصي الحقائق التي أسقطت تقرير لازارد وتبنت أكاذيب رياض سلامة والكارتل المصرفي. إخجلوا!
نواف سلام السياسي والأكاديمي، الديبلوماسي والقاضي، البيروتي الشجاع، أمام مسؤولية إستثنائية رغم التجني والحملات التي إستهدفته، لأن من برمجها خشي تدقيق التصويب وما قد ينجم عنه لأن الولاية الرئاسية ممتدة لست سنوات. مسؤولية سلام إخراج التأليف من الوحل الطائفي والمذهبي، وما حدن يخبرنا أنه تأخر. ثقة الناس الذين غمرهم الفرح بتكليفك لن يجرؤ هؤلاء النواب على تحديها. وأنت تعرف أكثر من سواك أن موازين القوى في البلد في العام 2025 ، بعد الزلزال الحالي وبعد “ثورة 17 تشرين”، التي كشفت وعرّت منظومة الفساد والإرتهان والسلاح، ليست كما كانت عندما خافت القوى الطائفية من شعبها، فإنقلبت على “إنتفاضة الإستقلال” وذهبت إلى “الإتفاق الرباعي” الذي شكل رأس جبل جليد دفع لبنان إلى الهاوية، وبات منحى الإنهيار بعد التسوية الرئاسية في العام 2016 دون مكابح. ع فكرة، عزيزي نواف: أكثرهم كانوا في حكومتي سعد الحريري بعد إنتخاب ميشال عون، ويومها خبرونا أن الليرة بخير وكانوا يهربون أموالهم إلى الخارج ويمعنون بالسطو على جيوب الناس..بمثل هذه القوى مهما تبدلت الأقنعة لن تكون النتائج كما تريد!
نواف سلام ممنوع أن يعتذر وممنوع أن يتنازل كما يريدون، ولست أنت من ينبغي تحميله مسؤولية تأخير شروق الشمس! نواف سلام أنت تنبهت بالتأكيد أن هجمة تناتش المقاعد لم ترفق بأي إشارة من أي جهة عن رؤية أو فكرة أو مسودة أو شخطة قلم أن لهذه الجهة أوتلك موقف يساعد على الإنقاذ وعلى إنتشال البلد وحماية حقوق الناس؟ وأنت لمست أن هدايا مسمومة رافقت عملية التاليف لم تحرك لقوى الإستبداد ساكناً، تمثلت بقرارين قضائيين، يقع الأول في مرتبة الإغتيال الثاني للشجاع لقمان سليم، ويقع الثاني الذي إستند إلى مرور الزمن على النهب في موقع الإندفاعة لمنع المساءلة والمحاسبة وتبرئة الناهبين!
أنت مسؤول عن وعد التغيير، وما زال بالإمكان قلب الطاولة على قوى الإستبداد الطائفي، لأنه بدون ذلك لن ينبت الزرع على الركام. إنك مسؤول عن أخطر مرحلة تأسيسية يحتاجها البلد الذي لا ترتضي له أن يكون رصيف هجرة دائمة يطرد الأبناء والكفاءات!
أما عن قوى التغيير، وأزعم أنني من صلبها، وأما عن المنبر الوطني للإنقاذ الذي يجمع مروحة واسعة من هذه القوى، فينبغي من اليوم فتح باب النقاش الجدي المفضي إلى خطوات ملموسة في التنظيم وبلورة برنامج حكم هذه القوى. نعم برنامج حكم، تتقدم من خلاله قوى التغيير إلى الناس..لتكون إنتخابات العام 2026 إنتخابات تكريس التغيير.
ومنظومة الفساد والإرتهان والتبعية” كلن يعني كلن” وما تستثني حدن منن.