أخباركم -أخبارنا/ طوني ابو روحانا
إنها حكاية جغرافيا محفورة في كتب الذاكرة وتاريخ من وجع، إنه وطن من وجع ومأساة ناس حبكوا الحياة بالجراح والدم منذ أول الأنفاس وحتى يومهم الراهن، حتى آخر نفس، إنها حكاية عَرَق ونضال منذ فجر القرار بأن الحرية مسار ومصير ولحظة كرامة تتوقف عندها الدنيا، ولحظات من خَيبات بالتواطؤ بين منظومة الخديعة والتزوير وانتحال صفة لبناني وفصائل المرتزقة وزعامات الكرتون، ومحيط أطماع ونجاسة وثقافة تشبيح وبلطجية تُدَرَّس في معاهد أذرعهم وواجهات الصف الأول من أزلام وأدوات وأبواق، إنه واقع رافق أجيال وأجيال، عقود من الإحتلالات تعاقبت ومعها عقود من الصبر والإصرار أنه لبنان وأنه أزلي وسوف يرحلون، إنما اليوم، ها هو هذا اللبنان الذي استحق كل هذا الإنتظار على مفترق يشبه ما سبق وكأن الأمس لم يُوَلّد العِبَر ولا البارحة أعطَت الدروس الباهظة ولا الذين تَوارثوا استخلصوا وفهموا ولا الذين تَسَلَّلوا بين لَيلٍ هجين وقانون على مقياس ريختر قرأوا في الزواريب العتيقة والأحداث وأنه بين التكرار والتكرار بات الزمن غير الزمن، وأن الوطن المولود على فالق زلازل ما عاد يحتمل خَيارات تُسَطّرها كفوف العفاريت ولا ترف الوقت يسمح بإطفاء الحرائق اذا اشتعلت، الشرق على فالق مُتَغَيّرات بفرصة واحدة، إما أن يقتنصها لبنان وإما أن تستبيحه امتحانات مفتوحة على مجهول غير مسبوق بقوانين من نسيج لم تشهده المنطقة من قبل وربما خواتيم بنكبات وجودية، السردية بمعانيها ومعاييرها الحقيقية أبعد وأكبر من تشكيل حكومة يَتَناتَش عرقلتها الثنائي الشيعي وحصتها الفائضة دولة الرئيس المُكَلَّف وإقصاء المسيحيين تحت غطاء استبعاد الأحزاب عن الوزارات السيادية والقوات مثال واضح على ما يخفي الباطن على الضفاف، السردية تحت المجهر لا تحتمل التأويل ولا التفسير في الشجاعة بين مسايرة فصيل المحوَر وانعدام القدرة او عدم الرغبة ونقض الوعود عن سابق تَصَوُّر وتصميم، والمشهد فاضح يعيد تظهير نفس الخارطة التي سبق وخطفت البلد لسنوات طوال، عن أي تغيير نتكلّم والكاميرا تلتقط الصورة بواجهتها وخلفيتها وتجمع بين أقطاب الخلافات حلفاء وخصوم وأعداء..
ما كان في الإنتظار أكثر مما نراه اليوم ونسمعه ونقرأ بين سطور رسائله، وكأنها المعركة في اتجاه واحد ورغبة ملحة في تأليفٍ من لون مريض لا يُشبِه المرحلة ولا بعض من حفنة أمل بالتعافي الموعود، ورحلة خَيبات جديدة على أرض الواقع أخرجتها الوقائع الى العلن لحظة خرجت النوايا من كواليس البازارات والتخطيط المدروس الى لحظة القرارات والمواقف، وتَفَلُّت الإمعان في الإنقضاض على السياديين الذي يخوضه بعض غَيارى نوّاب الصدفة وبرلمان قانون المعجزات وشعب تكرار الأخطاء منذ تاريخه الغافِل بنفس المعايير عن رؤية الحقيقة والتكلفة والإستحقاقات المصيرية وكم دفع باهظاً لعقود وعهود..
لا ثقة في ما يحصَل اليوم وما نراه يُحاك بأُم العَين والفلك أوسع مما يُرى ومما لا يُرى والفعل أكبر من تحاصص فَجَع وأطماع وما تتناقله ألسنة الدهاء ويُسَطّره تَحامُل الحاقدين وإبداع الغدر الرخيص، ما يُواجهه لبنان في هذه اللحظات المصيرية حيث لم يعد يمتلك ترف الوقت ولا فائض الزمن ليست مسألة حلول فحسب ولا تسميات ولا حقائب لفلفة الفساد ولا الإبداع في العرقلة إنما مسألة وجود وهوية ووطن وشعب، وللمرة الأخيرة على الخارطة الراهنة لمُتَغَيّرات الإقليم وأسفار القرارات الدولية، إنها ورقة المحوَر الأخيرة على المُتَوَسِط والإستثمار فيها قارب حرب بقاء يخوضها حزب الله أياً تكن التسميات والتبريرات والصيغة والميثاقية، حرب العودة الى الإستئثار بالسيطرة على مرافق الدولة ومؤسساتها ومنعها من العبور الى الدولة، حرب جمهورية العلم الأصفر ضد جمهورية الأرز وبكل وقاحة الكوكب مجتمعة، الحقيقة أنه لم يعد من مكان ولا زمان للسكوت فالمخطط تثبيت الإحتلال بمرسوم غلبة نهائي من خارج المراسيم يُشَرّع التَسَلّط من خارج الشرعية وبأدوات شرعية، يُحاضِر في الديموقراطية بفائض موازين القوى والتوازنات على الفالق بين التناسل والإلغاء..
المطلوب اليوم شجاعة وازنة وقضاة يبطشون بالعدل وحده، وإرادة حقيقية فوق العادة وسفراء فوق العادة يملكون الرغبة الصادقة في إخراج البلاد من مستنقع محيطها الغابر..
سَلام لِسَلام.