السبت, مارس 15, 2025
22.4 C
Beirut

إستشارات التأليف ملزمة أو غير ملزمة؟

نشرت في

أخباركم – أخبارنا/ د. وفيق ريحان

أمام حوارات الاستحقاق الوزاري الجديد وما يرافقها من تجاذبات سياسية وقانونية ذات طابع دستوري، وامام المحاذير التي تتمسك بها بعض الكتل النيابية من مسار العهد الجديد ورئاسة الحكومة الجديدة، من أجل ضمان مصالحها السياسية الضيقة كعادتها، دون الإكتراث لأهمية ولضرورة تشكيل الحكومة بالسرعة اللازمة في ظل الأوضاع الكارثية التي تمر بها البلاد، كان لا بد من وضع بعض النقاط على الحروف بالنسبة لآلية تشكيل الحكومات ما بعد إتفاق الطائف من الناحية القانونية والدستورية ومن الناحية العملية والتطبيقية.
أولاً: بالنسبة للنص الدستوري
لقد إعتمد الدستور اللبناني ما بعد الطائف عملية إختيار رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في دورة الإقتراع الأولى، وحيث يكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وذلك بحسب (المادة ٤٩) من الدستور، مما يجعل هذه العملية من أبرز عوامل ممارسة السياسة الديمقراطية في لبنان بالنسبة لإنتخاب موقع الرئاسة الأولى في البلاد. وحيث يقوم هذا الرئيس المنتخب، وبعد أداء القسم أمام البرلمان، يمين الإخلاص للأمة والدستور وحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه، بتسمية رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، وذلك استناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها، وهي لم تكن ملزمة قبل دستور العام ١٩٩٠، بحيث كانت هذه العملية منوطة برئاسة الجمهورية، الذي كان يختار الوزراء من بين الكتل النيابية أو من خارجها، ويسمى من بينهم رئيساً للحكومة دون أية إستشارات ملزمة له، فهي تمثل حكومة العهد، وإن نجاحها أو فشلها يرتبط بنجاح العهد أو فشله في إدارة السلطة العليا للوطن (المادة ٥٣ من الدستور الفقرة ٢).
وإذا كانت الاستشارات النيابية ملزمة لرئيس الجمهورية في عملية تكليف رئيس حكومة جديد للبلاد بعد الطائف، وهو الذي يصدر مرسوم بتسميته منفرداً، فإن عملية تشكيل الحكومة تخضع من حيث الشكل للإستشارات النيابية غير الملزمة، والتي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف، ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وذلك بحسب (الفقرة ٢ من المادة ٦٢) من الدستور.وحيث ينبغي على الحكومة الجديدة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري من أجل نيل الثقة في مهلة ٣٠ يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تستطيع ممارسة صلاحياتها إلا بعد نيلها الثقة من هذا المجلس. وحيث انيطت بها السلطة الاجرائية وفقا( للمادة ٦٥) من الدستور بعدما كانت هذه السلطة منوطة برئاسة الجمهورية قبل الطائف، والتي كان يقف على رأسها في ممارسة صلاحياتها الإجرائية. ويتخذ هذا المجلس قراراته توافقياً أو بالإجماع، وإذا تعذر ذلك بالتصويت بأكثرية الحضور، علماً بأن النصاب القانوني لإنعقاده هو ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها (الفقرة ٥ من المادة ٦٥).
ثانياً: إشكالية تطبيق النص الدستوري في لبنان ما هي الحكمة القانونية من جعل إستشارات تشكيل الحكومة التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف، غير ملزمة له في عملية التشكيل؟
إذا عدنا الى مضمون المادة ٦٥ من الدستور التي اناطت السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، والتي منحت الحكومة بعد نيلها الثقة في البرلمان، الصلاحيات الواسعة في ممارسة السلطة، ضمن الضروري أن يتم تشكيلها وفق هامش واسع من حرية الاختيار لرئيس الحكومة المكلف، إستناداً الى الصلاحيات التي كانت منوطة برئاسة الجمهورية قبل الطائف في تشكيل حكومته. وذلك من اجل التماسك والانسجام بين اعضائها من جهة، وبين الرئيس والاعضاء من جهة ثانية، عند اتخاذها للقرارات لا سيما الاساسية منها، والتي تحتاج عادة الى ما لا يقل عن نسبة ثلثي أعضاء الحكومة وفقاً لمرسوم تشكيلها، وأن تكون نسبة موحدة في ممارسة السلطة الإجرائية التي منحها إياها الدستور بعد الطائف لكن أمام صراحة النص الدستوري، فإن واقع التأليف مازال يصطدم برغبات وأهداف الكتل والمكونات السياسية للبرلمان اللبناني، بحيث يصطدم الرئيس المكلف عند قيامه بمهام الاستشارات النيابية غير الملزمة، بتلك الرغبات والمطالب الفئوية والإصرار عليها من قبل بعض الكتل النيابية التي تضع مصالحها الخاصة فوق اعتبار المصلحة الوطنية العليا، وإذا كانت رئاسة الحكومة ملزمة باحترام حجم وأوزان تلك القوى السياسية داخل البرلمان، لجهة عدالة التمثيل في الحكومة المرتقبة، غير ان ذلك لا يلزم رئيس الحكومة المكلف بتسمية الوزارات وفقاً لرغباتها، بحيث تقتضي المصلحة الوطنية عدم التخصيص لأية وزارة لأي مكون سياسي او برلماني بما يخل بمبدأ العدالة والمساواة بين الجميع، وشرط أن لا يكون ذلك أيضاً على حساب الشروط أو المؤهلات التي ينبغي ان يتمتع بها الوزير المختص. ومما قد يؤدي الى الفشل مستقبلاً في حال الانصياع لتلك المطالب التي قد تصل احياناً الى مستوى فرض الشروط غير الدستورية على الرئيس المكلف، بإعتباره غير ملزماً من الناحية الدستورية بتلك الآراء او المطالب او الرغبات، تعزيزاً لسلطته على حكومته بعد تشكيلها، وإلا فهي تصبح خارج قدرته على التفاهم والتوافق فيما بينها امام الاستحقاقات أو عبر إتخاذ القرارات الضرورية والتي يفترض ان تكون بالتوافق العام أو بالإجماع، ودون الحاجة الى التصويت عليها لا سيما بالنسبة للقرارات المصيرية التي ترتبط بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد.
ثالثاً: عملية منح الثقة والبيان الوزاري
بعد الاتفاق على تشكيل الحكومة واصدار مرسوم تشكيلها، ينبغي عرض البيان الوزاري على البرلمان من اجل منح الثقة او خلاف ذلك. ولم ينص الدستور عملياً على نصاب الموافقة او عدم الموافقة على منح الثقة بحسب (المادة ٦٥) من الدستور، وذلك بصدد التشريع لها بممارسة صلاحياتها بعد نيلها الثقة من البرلمان، إلا ان النصاب القانوني لإنعقاد جلسات المجلس لا يقل عن ثلثي عدد اعضائه الأساسي وهي المحطة الأخيرة في عملية التأليف قبل المباشرة بالعمل وفقاً للدستور.وان هذه العملية الدستورية تكرس المفاهيم الدستورية المفاهيم الديمقراطية في ممارسة عمل السلطة الإجرائية بتفويض من البرلمان الذي يعبر عن الإرادة الشعبية. ولم يحصل منذ ما بعد الطائف ان حجبت الثقة عن اية حكومة بعد تشكيلها، لأن هذا التشكيل هو نتيجة واقعية للإستشارات التي يقوم بها الرئيس المكلف مع الكتل والمكونات النيابية، بما يضمن عادة نيل الثقة في البرلمان، بعد ارضاء غالبية تلك الكتل والمكونات مما أرسى قاعدة المحاصصة في المكاسب الوزارية والإدارية منذ عدة عقود من الزمن. وأنه بالرغم من ان هذه الآلية تضمن شبه استقرار في عمل الحكومات بعد تشكيلها، إلا أنها لم تشكل الضمانة الحقيقية للإنتظام العام في عمل مؤسسات الدولة الدستورية والإدارية، وعطلت عملية الرقابة الفعلية على ممارسات السلطة الاجرائية تحت شعار الميثاقية الزائفة او الديمقراطية التوافقية التي تتناقض مع مفهوم الديمقراطية من حيث الواقع العملي.

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

الحريري: دماء كمال ورفيق جمعتنا – زيارة وفد من المستقبل برئاسة بهية الحريري لضريح كمال جنبلاط!

أخباركم - أخبارنا في الذكرى السنوية الـ48 لاغتيال الزعيم الوطني كمال جنبلاط، عبّر الرئيس...

زيلينسكي يشكك في نوايا موسكو رغم تفاؤل ترامب بشأن الهدنة

اخباركم - أخبانارغم التفاؤل الذي أبداه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تجاوب نظيره الروسي...

واشنطن تدرس توسيع حظر السفر ليشمل 43 دولة .. هل لبنان بينها؟

اخباركم - أخبارناذكرت صحيفة نيويورك تايمز اليوم السبت، 15 مارس/آذار 2025، أن الإدارة الأميركية...

باسيل : نحن القرار الوطني الحر والمعارضة الحقيقية… وهناك “أفغنة” لسوريا

أخباركم - أخبارنا أكد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ان التيار هو ١٤ آذار...

More like this

القلق على حياة الزعيم وليد جنبلاط وتهديدات فكرة “الدويلة الدرزية” في لبنان وسوريا!

أخباركم - أخبارنا/ مسعود محمد في ذكرى استشهاد كمال جنبلاط: آل جنبلاط يستمرون...

لن يشكل الدروز دويلة سعد حداد جديدة .. لو كان هذا الشيخ أو ذاك يقرر سياسة إسرائيل لكان استطاع الغاء قانون القومية!

أخباركم - أخبارنا كتب إبن مجدل شمس الدكتور ثائر أبو صالح في الجولان السوري...

حبوبة عون لموقعنا: رسالتنا في ذكرى كمال جنبلاط معًا من أجل لبنانٍ أفضل

أخباركم - اخبارنا/ عايدة الأحمدية في ذكرى استشهاد الرمز الوطني، المعلم كمال جنبلاط، لا...