كتب إبراهيم بيرم لـ”أخباركم – أخبارنا”
لا يجد الثنائي الشيعي نفسه في عداد الخاسرين عندما منح الرئيس المكلف تأليف الحكومة نواف سلام حق تسمية الوزير الشيعي الخامس. فقد جاء ذلك ضمن قناعات ترسخت أخيراً لديه بأن ثمة مرحلة جديدة مبنية على معادلات مختلفة قد بدأت بعد المواجهات التي عصفت بالجنوب وما نتج منها. كان لزاماً على الثنائي أن يتعقل أكثر ويتعامل بسلاسة ومرونة مع ما كان يرفضه في السابق، عندما كان لا يزال في ذروة قوته وحضوره.
لم يمض وقت طويل حتى أدرك الثنائي، وبالتحديد زعيمه المكرس الرئيس نبيه بري، أنه مضطر للتكيف مع مقتضيات المرحلة والمعادلة الجديدة. ففي اللحظة الأولى التي استفاق فيها هذا الثنائي صباح يوم الاستشارات الملزمة، اكتشف أن ثمة “أمراً دُبر في الليل”، وأدى إلى إطاحة تفاهم سابق بين كتل كبيرة، كان يقضي بإعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً لتأليف الحكومة الأولى في العهد الجديد. فبدأ بري يشعر بالوحدة بعدما نفض من حوله العديد ممن كانوا معه.
ثم ظهر بري متماسكاً ومنضبطاً، خلافاً لرئيس كتلة نواب حزب الله محمد رعد. عاد بعدها رئيس المجلس إلى مقر إقامته في عين التينة ليبدأ من هناك رحلة “استيعاب ما حصل واحتواء التداعيات والتحضير للهجمة المضادة”. فأبلغ إلى الدائرة الضيقة من حوله أن العناوين العريضة لحملة الرد ستكون أولاً تخفيف الخسائر، ثم استعادة ما فقد ولكن بالطرق الديبلوماسية الهادئة التي تخلو من أي مظاهر صخب.
وما لبث بري، صاحب التجربة السياسية العميقة، أن اقتنع بأن ثمة مرحلة جديدة انطلقت لتوها. فقد شهد بعينيه كيف أصبح اسم قائد الجيش موضع إجماع غالبية الكتل، على الرغم من أن أيّاً منها لم ترشحه سابقاً بشكل جاد. كما شهد كيف تمّ اختيار نواف سلام فجأة من مركز عمله في لاهاي ليكون الرئيس المكلف بتأليف حكومة العهد الأولى. وبمعنى آخر، أدرك بري، حسب المقربين منه، “أن الموجة عالية جداً، بل أعلى من المعتاد، وأن واقع الحال يفرض استخدام أساليب جديدة للتعامل مع المرحلة، تختلف عن تلك التي جُربت في العهود السابقة بعد سريان اتفاق الطائف”.
وهكذا، أصبح بري يضع الحجر الأساس في معركته مع هذا الجديد العالي، من خلال الاحتفاظ بوزارة المال، مهما كانت تكلفة المواجهة.
ويذكر المقربون من بري أنه عندما عاد وفد الثنائي من لقائه الرابع والحاسم مع الرئيس المكلف، متهللاً، اطمأن بري أن الأمور سارت كما خطط لها، ونقل زواره عنه أن “الباقي تفاصيل” يمكن النظر فيها والتعامل معها حسب المقتضى.
ووفق زوار عين التينة، فإن تعليمات بري التالية كانت أن الأهم هو ألا يظهر الثنائي في مظهر المعرقل، بل المتعاون والمنفتح، لكي لا يُقال إننا من نعرقل. وعندما طلب الرئيس المكلف من بري أن يقدم له لائحة بأسماء المرشحين الشيعة للتوزير، لم يُبدِ بري أي اعتراض بل قال له: “خلال وقت قصير، ستكون عندك اللائحة البديلة”، حتى يُقال إن بري قدم لسلام ثلاث لوائح متتالية.
وفي سياق التسهيل والسلاسة نفسها، وافق بري على طلب سلام بأن يمنحه حق تسمية الوزير الشيعي الخامس، أسوة بما سيُطبق على باقي الكتل. أبدى بري تجاوباً ولكنه اشترط أن يعرض الاسم على الثنائي، وألا يتم توزير أي شخص يعترض عليه. فكانت تجربة أولى في هذا السياق انتهت بسحب سلام اسم الشيعية لميا مبيض، مرشحة لحقيبة التنمية الإدارية، وطرح اسم آخر، وهي أيضاً سيدة لها خبرتها في المجال الإداري الرسمي.
لم يكن أداء بري المتعاون والمنفتح والمتنازل إلا نتيجة قراءاته العميقة للوضع الناشئ بعد الحرب الأخيرة. ومع ذلك، فإن المقربين من عين التينة يشعرون بأن بري بات مرتاحاً، وهو يتعامل مع فكرة أن مرحلة التأليف قد أصبحت وراءنا، وأن نتائجها مرضية إلى حد كبير بالنسبة إلينا. كما أن المهمة المركزية للثنائي تتمثل في استيلاد حكومة جديدة، لأنها مهمة في مرحلة إجبار العدو على إتمام سحب قواته من البلدات الجنوبية التي ما زالت تحت سيطرته، وفي مرحلة إعادة إعمار ما دمرته الحرب، نظراً لحجم الدمار الحاصل الذي لا يمكن إعادة إعمارها من دون معونة ودعم خارجيين.
