أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
تتسارع التطورات في الشرق الأوسط مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول غزة، والتي تراوحت بين طرح رؤية لإعادة إعمار القطاع وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، وبين تهديد حركة حماس بالعودة إلى الحرب إذا لم تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين.
هذه التصريحات تعكس رؤية ترامب التي ترتكز على التطبيع الاقتصادي كأداة لحل النزاعات، وهي رؤية تتقاطع مع ما يتم الترويج له في لبنان وسوريا أيضًا، حيث تتبلور معادلات سياسية جديدة قائمة على المساعدات المالية مقابل تغييرات استراتيجية. فهل نحن أمام مرحلة إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة؟ وهل يمكن لسياسة المال أن تحل مكان الأيديولوجيا في الشرق الأوسط؟
- غزة: بين التهديدات الأمريكية ووعود “الريفييرا”
اقترح ترامب، خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطة لإعادة بناء غزة بعد إخلائها من سكانها الفلسطينيين، وتحويلها إلى وجهة سياحية تُعرف بـ”ريفييرا الشرق الأوسط”.
لكن بالتزامن مع هذه الرؤية، جاءت تهديداته العلنية لحركة حماس، مؤكدًا أنه إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بحلول يوم السبت، فإن الحرب ستعود بشكل أعنف مما كانت عليه.
هذا الطرح يضع حماس في مأزق كبير:
• إذا وافقت على شروط إطلاق الأسرى، فستواجه ضغوطًا داخلية باعتبارها قدمت تنازلات تحت التهديد.
• وإذا رفضت، فستتحمل تداعيات حرب جديدة قد تكون أكثر تدميرًا من سابقاتها.
لكن الأخطر من ذلك، أن الخطة الأميركية لا تقتصر فقط على مستقبل غزة، بل تمتد إلى المنطقة بأكملها، حيث يتم فرض معادلة “الاستقرار مقابل التمويل” على أكثر من ساحة.
- لبنان: إعادة الإعمار مشروطة بخروج حزب الله؟
النهج الذي يقترحه ترامب في غزة ليس بعيدًا عن السيناريو المطروح في لبنان. حيث تؤكد التقارير أن المساعدات الدولية لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية والمناطق المتضررة في الجنوب اللبناني لن تأتي دون ضمان خروج سلاح حزب الله من المعادلة السياسية والعسكرية.
وقد تزامنت تصريحات ترامب حول غزة مع تصعيد أميركي ضد حزب الله، حيث اعتبرت نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، أن “إسرائيل هزمت حزب الله عسكريًا”، داعيةً الحكومة اللبنانية إلى تبني رؤية جديدة تتماشى مع القرار الدولي 1701.
هذا يعني أن حكومة نواف سلام، التي تعقد اليوم أولى جلساتها، ستجد نفسها أمام اختبار حقيقي:
• إما القبول بشروط الدعم الدولي، والتي تتطلب تحجيم دور حزب الله.
• أو التمسك بالمعادلة الداخلية القائمة، ما يعني استمرار العزلة الاقتصادية للبنان.
وبهذا المعنى، فإن التجربة اللبنانية تشبه إلى حد كبير تجربة غزة، حيث يتم فرض خيار “الاستقرار الاقتصادي مقابل التغييرات الجذرية في توازن القوى”.
- سوريا: تحديات القيادة الجديدة في مواجهة الملف الكردي
بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية، اتخذت القيادة السورية الجديدة موقفًا معاديًا لإيران وحزب الله، حيث قامت بطرد الميليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله من البلاد. حاليًا، تركز الجهود على تطهير المناطق الحدودية الشرقية مع لبنان من نفوذ حزب الله، حيث تدور معارك مستمرة بين الجيش السوري الجديد وعناصر الحزب المدعومة من فلول الميليشيات الإيرانية.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة الانتقالية ليس فقط التخلص من النفوذ الإيراني، بل أيضًا إيجاد حل لملف الأكراد، حيث لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مدعومة من الولايات المتحدة وتسيطر على مناطق واسعة شمال شرقي سوريا.
• القيادة السورية الجديدة ترفض الوجود العسكري لقسد خارج إطار الدولة السورية.
• في المقابل، ترفض قسد التخلي عن مكاسبها السياسية والعسكرية، خاصة بعد الدعم الأمريكي المتواصل لها.
• هل ستتمكن دمشق وواشنطن من التوصل إلى صيغة وسطى؟ أم أن الصدام العسكري سيكون الحل؟
هذه الأسئلة ستحدد مستقبل سوريا في المرحلة القادمة، خاصة في ظل التنافس الأمريكي-الروسي على النفوذ في المنطقة.
معادلة ترامب الجديدة: هل المال وحده يكفي لحل أزمات الشرق الأوسط؟
تعكس تصريحات ترامب الأخيرة حول غزة ولبنان وسوريا نهجًا أمريكيًا جديدًا يقوم على استخدام “المال” كأداة رئيسية لإعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة.
لكن هناك عدة أسئلة تفرض نفسها:
• هل يمكن شراء الاستقرار بالمال؟
• هل ستوافق الأطراف المستهدفة، مثل حماس وحزب الله والقيادة السورية الجديدة، على هذه الشروط؟
• وماذا لو فشلت واشنطن في فرض هذه الرؤية، هل سيكون البديل هو التصعيد العسكري؟
في غزة، حماس بين خيار الامتثال لشروط أمريكا وإسرائيل أو المواجهة العسكرية المفتوحة.
في لبنان، الحكومة بين قبول الدعم الغربي المشروط بتحجيم حزب الله أو المواجهة الاقتصادية مع المجتمع الدولي.
وفي سوريا، القيادة الجديدة تواجه تحدي التعامل مع الملف الكردي المدعوم أمريكيًا، مع السعي لبناء دولة مستقرة بعيدًا عن النفوذ الإيراني.
ريفييرا أم انفجار جديد؟
ما يجري اليوم هو إعادة تشكيل للنظام الإقليمي، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى فرض معادلة جديدة تقوم على “الاستقرار عبر الاستثمار، بدلًا من الاستقرار عبر القوة”.
لكن هذه المعادلة تصطدم بعوامل أخرى:
• القوى الإقليمية مثل إيران وحزب الله وحماس لن تقبل بسهولة بالخروج من المشهد.
• الحلول الاقتصادية وحدها لن تعالج الأزمات السياسية العميقة في المنطقة.
• التصعيد العسكري قد يكون الخيار الأخير إذا فشلت المفاوضات الاقتصادية.
لذلك، يبقى السؤال الأبرز:
هل ستنجح واشنطن في فرض رؤيتها الجديدة للشرق الأوسط، أم أننا أمام مرحلة جديدة من الصراعات، حيث يكون المال سلاحًا آخر في معركة النفوذ؟