أخباركم – أخبارنا
كتب حلمي موسى من غزة مساء أمس يسعد صباحكم وأمل لا يتزعزع بقرب الفرج وزوال الاحتلال.
في البداية اعتذر عن عدم تمكني من توجيه رسالتي الصباحية لكم وذلك بسبب انني اغلب الوقت لم اكن في مكان يتوفر فيه الانترنت.
وبعد ذلك لا بد من كلمة عن رحلة قصيرة عائدا الى غزة. حيث كان القصد في البداية الوصول هناك لمعاينة الوضع على الصعيد الشخصي والتمهيد للعودة التامة الى مكاني. وكان المخطط قضاء يوم واحد والعودة في اليوم التالي. لكن رحلتنا التي بدأت ظهر يوم الأحد الى غزة والتي في العادة لا تستغرق اكثر من ساعة استمرت ١٣ ساعة على الأقل. وقد وصلنا بيت صديقي في حوالي الثانية والنصف فجرا وما ان جهزنا انفسنا للنوم حتى كانت الساعة حوالي الرابعة. نمنا قليلا وصحونا بعدها على المشكلة الاساسية التي يعاني منها سكان غزة وشمالها وهي مسألة توفر المياه. وصديقي في بيته كان محظوظا لان الدمار في بيته يمكن اصلاحه. اذ تمت تغطية النوافذ المحطمة في غرف صالحة للسكن بالشوادر والحرامات. وهذا ما كان فعله ابناه وابناء عمهما حيث نظفوا المكان قدر الامكان وجلبوا قليلا من الماء. والمهم افطرنا وقت الغداء وخرجنا قليلا في المحيط لنرى ما حدث في ارضنا المتجاورة في مكان يبعد ربما حوالي كيلو متر ونصف عن بيته في غرب بيت لاهيا. وطبعا تمر عن ابراج وبيوت ومزارع مدمرة تماما ومجرفة. وكانت الدهشة عندما وصلنا مقصدنا. تكاد لا تعرف شيئا لا الطرقات ولا المكان. نزلنا قليلا من السيارة فتعرفت على بعض الاطلال من ركام ما كان اقرب الى استراحة اعتبرتها طوال عشر سنوات على الأقل جنتي التي اصنعها بنفسي على الأرض. كانت كلها ركاما من بناء وبيت خشبي صغير وجميل بطابقين. وكم فرحت لبقاء ثلاث اشجار نخيل بعد تجريف كل ما كان فيها من اشجار الزيتون والحمضيات والفواكه. وطبعا لا انسى الورود والزهور التي كنت ازرعها واصور جمالها وارسلها صباح كل يوم متفاخرا لاصدقائي. كما لا انسى ثلاثة عرائش عنب من الالذ من انواع مختلفة جرفت.
بعدها الى غزة حيث شقتي. وصلتها تقريبا بعد عصر الاثنين. البرج الذي اقيم فيه ورغم تعرضه لقذائف دمرت المصاعد فيه وغرفة الكهرباء وبعض الشقق بقي قائما. وصعدت على السلالم نحو شقتي في الطابق التاسع وطبعا وصلتها مهلكا. المهم ان شقتي هي بين الاماكن الأقل تضررا في غزة.
وفي المساء عدت الى بيت اخي قرب مخيم الشاطى سيرا على الاقدام لعدم توفر وسائل نقل. وهنا نسيت ان اقول ان سيارتي ورغم تحطيم زجاجها وسرقة بطاريتها وتعرضها لاطلاق نار بقيت في العموم سليمة. ولكن لا يمكن استخدام السيارة لعدم توفر الوقود وللحاجة لبطارية تعتبر حاليا من اندر الاشياء في غزة ثم الوقود غير المتوفر. وطبعا ما ارويه هنا هو ما يعانيه اغلب الناس في غزة. والسير على الاقدام لعشرة كيلومترات او حتى عشرين كيلو متر في غزة امر بات طبيعي اما لعدم توفر المواصلات او لعدم قدرة السيارات على المرور في الطرقات المؤدية الى مكان ما.
في كل حال قضيت ليلة الاثنين في بيت اخي. وفي صباح الثلاثاء ذهبت مع صديق الى مخيم الشاطئ حيث ولدت لأجد الدمار والحياة يتعايشان. وصلت بيت اهلي فكان دمارا هو والكثير من البيوت المحيطة لجيران واقرباء. وزرت اقارب لي في المخيم في جهة كانت الاقرب وفيها تجمع لكثيرين منهم. وتغديت عند صديق لي ذهبنا الى بيته من الشاطى سيرا على الاقدام صعودا الى الطابق العاشر. وبعدها عدت الى بيت اخي للمبيت. في غزة لا يمكنك حاليا فعل اكثر من شيئ واحد. واستطيع القول أنني في رحلتي لم اركب سيارة سوى التي اقلتني من خانيونس الى غزة وبالعكس. وكل ما بين الذهاب والعودة كان سيرا على الاقدام.
غزة كما رأيتها ولا ادعي انني رأيت كثيرا من شوارعها مدينة مدمرة رغم بقاء بيوت وابراج فيها. فالبيوت الباقية تعاني الامرين. ومهمة كل بيت البحث عن مصدر للمياه وعن مصدر للطاقة في هذه الايام الباردة جدا. والمواصلات في غزة صعبة جدا لا تسمح بكثير من الحركة. واضطرار الناس للتنقل اما لاستلام معونات او لشراء احتياجات امر بالغ الصعوبة. فالطرق مدمرة بشكل كبير وكثير منها مغلق بسبب انقاض البنايات المدمرة. وبلدية غزة تم تدمير اغلب معداتها وهي عاجزة عن فتح الطرقات مما يسهل انتقال الناس.
كل هذا العناء يعيشه اهل غزة وشمالها بصبر يصعب تخيله. ربما ان شدته تجبر الناس على الانشغال بتلبية احتياجاتهم الاكثر اساسية ولا يجدون وقتا حتى للشكوى او الصراخ.
نسيت ان اقول انني لم اغسل وجهي بالماء الا عندما عدت الى حيث اقيم في خانيونس. في غزة المحارم المبللة هي البديل لمن يتعذر عليه جلب الماء الكافي.
ودمتم جميعا بالف خير
