كتب ابراهيم بيرم: بأقل قدر من الضجيج على الساحة اللبنانية، زار رجل الأمن القوي في السلطة الفلسطينية اللواء ماجد فرج بيروت لأيام معدودة ثم غادرها، بعدما سعى الى تنفيذ مهمات عدة انيطت به، من ابرز عناوينها:
– خفض وتيرة التوتر والاحتقان المخيمة في مناطق للسلطة والتي احتدمت اخيراً منذرة باندلاع فتنة فلسطينية – فلسطينية.
– محاولة ايجاد معالجات عاجلة لمظاهر الفلتان والفساد، وسط التحشدات الفلسطينية من جهة وانفجار الخلاف بين السفارة الفلسطينية في لبنان والسلطة اللبنانية ممثلة بلجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني التي اطلقتها الحكومة اللبنانية عام 2005 وفردت لها مكاتب في السرايا الحكومية بعدما افرزت لها جهازاً ادارياً ناشطاً.
المعلوم ان التوتر الفلسطيني – الفلسطيني بدأ في الضفة الغربية بعد ان أجرت الاجهزة الامنية الفلسطينية، بقيادة رجلها القوي فرج باعتباره قائداً عاماً لجهاز الامن الوطني الفلسطيني، اعتقالات واسعة شملت حسب تقديرات اكثر من 350 شاباً يعتبرون في “خانة النشطاء الخطيرين والمطلوبين من السلطات الاسرائيلية”، وهم قد بدأوا مرحلة مواجهة اوجعت الاحتلال واربكته.
ليست المرة الاولى التي تتهم فصائل السلطة واجهزتها بتجريد حملات اعتقال ودهم بحق النشطاء، ولكن الأمر هذه المرة يأتي مختلفاً ان من حيث الحجم او من حيث التوقيت.
ووفق ما ابلغت مصادر فلسطينية من خارج اطار السلطة وقواها، تقيم في بيروت، الى موقعنا، ان لحملة الاعتقال المستمرة أبعاداً، من شأنها ما لم تعالج، ان تقود الى” فتنة” داخلية تبذل الفصائل جهوداً استثنائية لتلافي انفجارها.
ابرز هذه الابعاد:
– ان حملة الاعتقالات غير مسبوقة من حيث عدد المعتقلين ومن حيث طرق تعذيبهم وقمعهم واذلالهم.
– ان الحملة تلك تأتي عشية تطوّر ميداني نوعي، وغداة محطة سياسية بالغة الحساسية في مسار العمل الوطني الفلسطيني.
اما المحطة المفصلية فتتجسد في لقاء الأمناء العامين للفصائل المزمع عقده قريباً في القاهرة.
لذا، فان المصادر الفلسطينية اياها باتت تتحدث في الاونة الاخيرة بجرأة اكبر من ذي قبل عن ان حملة اعتقالات السلطة المتوالية فصولاً انما هي هذه المرة انفاذ لمشيئة اسرائيلية عنوانها: عليكم كسلطة تقع مسؤولية قمع حركة المقاتلين، ولا يمكنكم التهرب من هذا الاستحقاق لأن ثمة تعهدات من جانبكم تفرض عليكم عدم التهاون.
وعليه، سارعت الفصائل المعارضة للسلطة والمناوئة لنهجها الى الاعلان صراحة عن انها ستقاطع لقاء القاهرة الذي تبني عليه السلطة آمالاً عراضاً، ما لم تتوقف فوراً حملة الاعتقالات والمبادرة الى اطلاق المعتقلين.
وبناء عليه، اختارت السلطة الفلسطينية بيروت بالذات منصة تطلق منها حراكاً غايته البحث عن حلول تفضي الى تسويات تحول دون انفجار التناقضات الفلسطينية العميقة والمزمنة.
وليس مستغرباً ان تكون العاصمة اللبنانية هي المنطلق والمحور لهذا الحراك، اذ انها تحوي كما هو معلوم قيادتي حركتي حماس والجهاد الاسلامي في الخارج، الى فصائل تاريخية مثل “الجبهة الشعبية” و”القيادة العامة”، وكلها فصائل تستظل وجودها وتستقي دعمها من “حزب الله”. فضلاً عن ان لبيروت عند السلطة وحزبها “حركة فتح” قيمة معنوية ورمزية مضافة، خصوصاً ان فتح كان لها دور رئيسي واساسي في لبنان قبل عام 1982.
وعلى رغم “السمعة السيئة” للواء فرج، فان معلومات ترجح انه نجح في اجراء اتصالات مع قيادات فلسطينية ولبنانية وفي حصد نتائج. وقد عدت موافقة حماس على التقاء رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية برئيس السلطة محمود عباس في انقرة خرقاً نوعياً حققه هذا الحراك، خصوصاً انه افضى الى دق إسفين بين الفصائل المعارضة المنتقدة لأداء السلطة، فضلاً عن ان حماس تعهدت ضمناً بحضور لقاء القاهرة من دون شروط ومقدمات، وهو أمر اذا حصل، يعني ان السلطة بامكانها ان تظهر بمظهر الفاعل خلافاً لما سرى سابقاً من انها ضعفت ويكاد دورها يؤول الى اضمحلال، خصوصاً بعد ان سرقت المجموعات المقاتلة في الضفة الغربية الاضواء.
وبصرف النظر عما سيؤول اليه لقاء القاهرة الموعود، فالثابت ان بيروت شهدت بعيداً عن الاضواء حراكاً فلسطينياً مكثفاً بدا معه الوجود الفلسطيني في لبنان وكأنه يستعيد زخمه وحيويته، خصوصاً وان هذا الوجود فتح مواجهة مع الدولة اللبنانية ممثلة بلجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني التي انشأتها الدولة عام 2005 وافردت لها جناحاً في السرايا الحكومية لتكون صلة الوصل لتنظيم الوضع الفلسطيني وازالة الشكاوى اللبنانية والفلسطينية.
وليس خافياً ان هذ المواجهة بدأت بعد أن انسحب ممثلو الجانب الفلسطيني من اللجنة، اعتراضاً على وثيقة تعدها اللجنة لتنظيم حق العمل والتحرك للاجئين.
وفضلاً عن ذلك، المعلوم أن ثمة مواجهات بين الفلسطينين انفسهم ووكالة الاونروا، مقروناً بكلام عن خلافات تذر بقرنها بين قيادات حركة فتح من جهة وبين الحركة والسفارة الفلسطينية من جهة أخرى.