كتب إبراهيم بيرم لـ”أخباركم – أخبارنا”
مع دنو موعد انتهاء المهلة الثانية لانسحابها النهائي المفترض من المناطق التي تمددت إليها في الحافة الأمامية في الجنوب، تبدي إسرائيل عنادًا على البقاء في خمس تلال مهمة على طول الحدود مع لبنان.
وفي إطار هذا الإصرار، رفضت القيادة الإسرائيلية عروضًا وأفكارًا للتسوية، أبرزها عرض فرنسي يقوم على تسليم تلك النقاط للقوة الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) حصريًا، على أن تتعزز بجنود فرنسيين من أجل زيادة الاطمئنان على أمنها مستقبلاً.
من هنا، يبدو أن إسرائيل عازمة على تكريس بقائها عمليًا في هذه النقاط بعد انتهاء مهلة انسحابها الممددة بموافقة أميركية، ليكتسب الأمر “شرعية” الواقع، خصوصًا أن تل أبيب مطمئنة إلى أنها ستلقى دعمًا أميركيًا لتنفيذ رغبتها هذه.
من الناحية الجغرافية، يُعلم أن تلك النقاط الخمس تنتشر على طول الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمقدرة بـ139 كيلومترًا بدءًا من الناقورة على البحر، امتدادًا إلى الخيام، أي أنها تغطي القطاعات الحدودية الثلاثة (الغربي، الأوسط، والشرقي) وفق التقسيم الذي اعتمده الإعلام منذ عقود، وهو يغطي أخبار الصراعات الحدودية على طول تلك الحدود.
وتشكل تلة اللبونة الواقعة في خراج بلدتي الناقورة وعلما الشعب المجاورة (القطاع الغربي) أولى هذه النقاط، وهي عبارة عن منطقة حرجية كثيفة، لا تبعد أكثر من 300 متر عن خط الحدود التاريخي. وهي تشرف عمليًا على كل القطاع الغربي (يضم نحو 21 بلدة من بلدات قضاء صور، وصولًا إلى مدينة صور نفسها، فضلاً عن مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين).
وتشكل نقطة جبل بلاط النقطة الثانية التي أدرجتها إسرائيل كنقاط تمركز لقواتها. والمعلوم أن هذه النقطة تقع بين بلدتي مروحين (صور) وراميا (بنت جبيل)، وتؤمن الإشراف أيضًا على كل القطاع الغربي والأوسط (بنت جبيل). ولا تبعد تلك النقطة أكثر من كيلومتر واحد عن الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل في عام 2000 ليكون بمثابة حدود متنازع عليها إلى حين ترسيمها نهائيًا يومًا ما.
أما ثالث تلك النقاط فهي تلة العويضة التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن الحدود، وهي تقع بين بلدتي العديسة وكفركلا، وأهميتها أنها تشرف على مستوطنة المطلة بالكامل إضافة إلى مستوطنات أخرى في الجليل الأعلى المحتل.
وتأتي تلة العزية لتكون النقطة الرابعة، وهي تبعد نحو 2 كيلومتر عن الحدود وتقع في خراج بلدة دير سريان (مرجعيون – الشرقي)، وتشرف على مجرى الليطاني من المحمودية إلى الزوطرين (النبطية).
أما النقطة الخامسة فهي تلة الحمامص، وهي تقع عمليًا في خراج بلدة (قضاء مرجعيون – حاصبيا) الخيام. ويذكر أنه سبق لإسرائيل أن اتخذت هذه النقطة منطلقًا لهجماتها البرية المتكررة على الخيام خلال معارك الـ66 يومًا. وهي لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن الحدود وتشرف على الخيام وسهلها من جهة الأراضي اللبنانية.
وفي ظل ذلك كله، فإن السؤال المطروح هو: ما هي الأهداف الأبعد غير تلك التي تعلنها إسرائيل، من وراء هذا الإصرار الذي تبديه للاحتفاظ بهذه النقاط الخمس على الرغم من علمها أن هذا الأمر يشكل تحديًا للشرعية الدولية ويعد انتهاكًا وخرقًا لاتفاق وقف النار الأخير؟
يؤكد الخبير الاستراتيجي والممثل السابق لقيادة الجيش في لجنة الناقورة، وواضع كتاب عن عمليات الترسيم الحدودي بين لبنان وإسرائيل، اللواء عبد الرحمن شحيتلي، لموقعنا “أن لهذه النقاط أهمية استراتيجية”. لكن الإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بها، رغم علمها بأن هذا الإجراء يشكل خرقًا فاضحًا لاتفاق وقف النار الساري منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، ولمندرجات القرار 1701، له أبعاد تتصل بمستقبل العلاقة التي تخطط لها إسرائيل مع لبنان.
ويقول شحيتلي: “في زمن الدرون والمسيرات المتطورة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن المبررات التي تسوقها إسرائيل لبقاء سيطرتها على تلك النقاط، بلا قيمة، بل إنها تصير ذرائع واهية تخفي وراءها نوايا عدوانية”.
وبمعنى آخر، يستطرد اللواء شحيتلي: “ما تريده تل أبيب حقيقةً أن تكون هذه التلال بمثابة “مسمار جحا”، وجسر عبور مستقبلي لفرض اتفاق سياسي على لبنان، لذا اعتقد جازمًا أن جوهر الموضوع ليس كما تزعم إسرائيل لضمان أمنها، ويحول دون تكرار هجمات المقاومة عليها في الأيام القادمة وفق المزاعم الإسرائيلية”.
وعليه، يضيف شحيتلي: “أنا لا أقف أمام ادعاءات إسرائيل وتبريراتها للاحتفاظ بهذه النقاط، بل أرى أن مقصدها بلوغ مرحلة التفاوض السياسي”.
ويشير شحيتلي إلى أمر آخر تسعى إسرائيل إلى بلوغه من خلال إصرارها على الاحتفاظ بهذه النقاط، ولو بقوة الأمر الواقع، وهو أن ذلك سيؤمن لها حرية الحركة في العمق اللبناني، بحيث يصير دخول دورياتها إلى هذه النقاط وتحركها في محيطها ساعة تشاء بمثابة تكريس لمبدأ “حرية الحركة” لها. ونحن نعلم أن إسرائيل أصرت عليه في كل مراحل التفاوض لبلوغ اتفاق وقف النار، فيما ينفي لبنان قبوله بهذا الأمر ويدحض أن يكون قد ورد في متن الاتفاق، إلا أن الكيان العبري يؤكد أنه أمر مشروع ومكتسب بالنسبة له، رغم أن ذلك يعد استباحة واضحة لسيادة لبنان، وقد رفضه لبنان الرسمي رفضًا قاطعًا.
وينتهي شحيتلي إلى القول: “إذا نجحت إسرائيل في الاحتفاظ بهذه النقاط، فإنما تكون قد نجحت في إقامة “دفرسوار” آخر على غرار ما نفذته إسرائيل في سيناء في حرب تشرين عام 1973، يمهد لاحقًا لفتح باب التفاوض السياسي مع لبنان للوصول في يوم من الأيام إلى معاهدة سلام على غرار 17 أيار عام 1984″.
