أخباركم – أخبارنا
كتب حنا صالح في صبيحة اليوم ال1956 على بدء ثورة الكرامة
غداً يتم تشييع نصرالله وصفي الدين وسط حشود يتوقع أن تكون كبيرة من شريحة شعبية ستودع من كان قائدها لعقودٍ خلت، وترك بصماته على دور وأداء هذه الشريحة، وخصوصاً البيئة اللصيقة بحزب الله.
وفي مثل اليوم 22 شباط من العام الماضي كان الموفد الأميركي هوكشتين في بيروت يطرح على نبيه بري ونجيب ميقاتي أن يتراجع حزب الله 7 كلم عن الخط الأزرق حتى يتم تلافي توسع الحرب على لبنان. ومعروف أن الجواب الذي وضعه نصرالله على لسان بري وميقاتي كان الرفض، وبدأت أوساط الثنائي تتغنى بما قاله بري يومها من أنه أسهل نقل الليطاني إلى الحدود من إنسحاب حزب الله(..) قد تكون خديعة حملها هوكشتين ورفضها حزب الله، وقد تكون عنواناً يمكن الركون إليه لحماية الجنوب ومنع إستنساخ أكثر من غزة واحدة في نحو 50 بلدة جنوبية، لا تقتصر على بلدات الحافة الأمامية التي باتت أثرأ بعد عين.. وربما كان يمكن تلافي المذبحة التي أنزلها العدو بأهلنا أبناء الجنوب. ليست مجرد كلمة القول أن معدل الضحايا في عشرات البلدات يتجاوز المئة في كل بلدة: إنها إبادة جماعية لا يعوضها شيء.
وربما ما كانت لتقع مذبحة “النداء القاتل” يوم 17 أيلول عندما فتك العدو بلحظات بالنخبة من قيادات وقوى حزب الله، وأتبعها في اليوم التالي بضربة أجهزة الإتصال فقتل العدو وحيّد في يومين ما يزيد عن 5 آلاف.. وربما ما كان للعدو أن يقتل قيادات الصف الأول والثاني والثالث، وربما كان نصرالله وصفي الدين اليوم على قيد الحياة اليوم؟ وحتى أنه بعد مقتلة 17 أيلول، ويومها حدثت هزيمة حزب الله الفعلية في المعركة، كانت هناك فرصة صغيرة لمحاولة تغيير كل المسار، فلا يستدرج العدو لإحتلال الجنوب مجدداً، لولا المضي بالمكابرة والإنكار والتشاوف، والإصرار على ربط الجنوب ومعه لبنان بغزة، التي كانت قد أصبحت ركاماً، وعشرات الألوف من أبنائها تحت الردم. لقد إستمر التجاهل الخطير للخلل بموازين القوى بين محور الممانعة ورأسه في طهران والعدو الإسرائيلي المدعوم من واشنطن وبلدان الغرب، إلى أن إنتهت مفاوضات حزب الله عبر بري مع العدو إلى إتفاق وقف النار. إتفاق إذلال ألزم الحزب ولم يلزم العدو الذي يسيطر على التلال الخمس من الناقورة إلى الخيام فيتحكم بجنوب الليطاني ويحتفظ بحرية حركة في أرضنا ويحول المنطقة إلى نوعٍ من حزام أمني كأمر واقع، وينتظر أي محاولة رد، والأمر شبه مستحيل، لإستئناف الحرب المدمرة!
كان يمكن الكثير، لكن إزدراء مصالح البلد وجني الأعمار والإستخفاف بالأرواح أوصل لبنان الموجوع أصلاً إلى هذا الدرك. لكن الأمر البالغ الخطورة مضي قيادات حزب الله اليوم بالإنكار وسياسة غسل الأدمغة، والهدف واحد؛ التغطية على المسؤولية عن تدمير الجنوب والضاحية ومناطق بقاعية، والتنكر لنتائج إنزال الهزيمة بلبنان والمذبحة التي حدثت، ولليوم يتم إنتشال الضحايا من تحت ركام بلدات الجنوب. وما يفاقم كل هذا الوضع، ما تفضي إليه سياسة التحريض لشد عصب البيئة المثخنة بالجراح من خلال توسل تكرار ممارسات سابقة لتحويل الأجزاء الكبرى من الشعب اللبناني إلى عدو: من لا يرى راي الحزب يتم تخوينه وإلصاق التهم به، في تجاهل مريض لواقع إحتضان لبنان لكله إبان الحرب، لبلسمة الجراح.
خطير خطاب الإنكار الذي يتردد على ألسنة مسؤولين حزبيين لجهة الإدعاء بأن لا شيء تبدل وأنه بالإمكان العودة بالبلد إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين أول 2023؟ وخطير قول بعض المعممين أنه ما من قوة بوسعها نزع سلاح الحزب؟ وخطير جداً ما يبدو من تنكر لمضمون إتفاق الحزب مع العدو بوساطة أميركية بشأن نزع كل سلاحٍ خارج الشرعية وبصم حزب الله وحكومته على الإتفاق الذي وضع التنفيذ تحت إشراف جنرال أميركي؟ وتبدو الخطورة أكبر عندما يمالىء بري الحزب فيتنكر بدوره لما وافق عليه من أن نزع السلاح سيكون بدءاً من الجنوب وإلى كل لبنان؟ ويتضاعف الخطر المتأتي عن كل أداء حزب الله والثنائي المذهبي، فيعلن نائب في الكونغرس الأميركي يزور بيروت، ويستقبل على أعلى مستوى، ان العدو باقٍ في التلال الخمس لأن حزب الله لم يسلم المتبقي لديه من سلاح، وأن هناك بضعة أنفاق لم يتم الوصول إليها.. وتكون الترجمة لهذا الكلام أن العودة المستدامة لبلدات الحافة الأمامية متعذرة لأن العدو لن يسمح لا بشق طريق، ولا رفع ركام، ولا إعادة المياه والكهرباء، ولا شيء من سبل العيش، فكيف بالإعمار الذي يتطلب المليارات وسنوات مضنية لإعادة شيء مما كان عليه الجنوب؟
يتجاوز الموضوع رعونة الثنائي المذهبي ومصالحه الضيقة بالمضي في أسر شريحة واسعة من شيعة لبنان. يتعلق الموضوع اليوم باستعادة الدولة والقرار وبمصير البلد وأولوية بدء الخروج من المستنقع. وإذا كان الثنائي غير جاهز بعد للإقرار بالواقع الجديد، واقع أن مرحلة سوداء إنتهت، تسلط خلالها حزب الله على قرار الحرب والسلم، وجرى عزل البلد وفرض سياسات دمرته وتمت الهيمنة على الإقتصاد والمال وحمى السلاح اللاشرعي الفساد والفاسدين، وإستبيحت المقدرات، وعُلقت الحريات ومنعت العدالة للمنهوبين الذين إذلوا ولضحايا جريمة تفجير المرفأ.. فإن السلطة بقيادة الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام مطالبة من يوم الإثنين المضي بقوة في المنحى الذي حدده خطاب القسم وخطابي قبول التكليف والتأليف وعناوين البيان الوزاري. لا دويلة داخل الدولة، ولا عودة للسلاح اللاشرعي ولا لتنظيم أمني مسلح، أدركت السلطة والناس دوره في المشاهد المقيتة حول المطار وداخل المطار، كما في الإشتباكات الحدودية شرق لبنان مع قوى النظام الجديد في سوريا!
ان السلطة التي تحظى اليوم بدعم وتأييد أكبر تسونامي شعبي داخلي، وأكبر دعم عربي ومثله من الدعم الدولي مطالبة بأن تقول كفى؟ كفى هذه الإزدواجية؛ شراكة في السلطة التنفيذية وشغب حول المطار وتعديات على الناس والأملاك العامة واليونيفيل وإستفزاز لئيم من حالات مرضية لأكثرية اللبنانيين! كفى كل سكوتٍ عما يجري بالغ الخطورة لأنه يصب في منحى القوى المافياوية، السياسية المصرفية على وجه الخصوص، التي تلتقي مصالحها مع الثنائي المذهبي، وتحلم بإمكانية العودة بعقارب الساعة إلى الوراء لمنع إستعادة الدولة، وتالياً جعل الأداء الدستوري شكلياً ليس إلاّ إن تمكنوا، ولن يتراجوا عن ذلك ما لم تتم المواجهة بحزم في الإجراءات وفي السياسة المفترض أن تضع مصالح كل لبنان وكل اللبنانيين فوق كل إعتبار!